وكان الملك عازما على السفر إلى مدينة دولة أباد وتسمى أيضاً بالكتكة "بفتح الكافين والتاء المعلوة التي بينهما" وتسمى أيضا بالدونجر "دوكير"، وهي على مسيرة أربعين يوماً من مدينة دهلي حاضرة الملك.
فلما شرع الملك في السفر بعث إلى الشريف بخمسمائة دينار دراهم وصرفها من ذهب المغرب مائة وخمسة وعشرون ديناراً وقال لرسوله إليه قل له أن أراد الرجوع إلى بلاده فهذا زاد وإن أراد السفر معها فهي نفقته في الطريق وإن أراد الإقامة بالحضرة فهي نفقته حتى نرجع فاغتم الشريف لذلك وكان قصده أن يجزل له العطاء كما هي عادته مع أمثاله واختار السفر صحبة السلطان وتتعلق بالوزير أحمد بن إياس المدعو بخواجة جهان وبذلك سماه الملك وبه يدعوه هو وبه يدعوه سائر الناس فإن من عادتهم أنه متى سمى الملك أحداً باسم مضاف إلى الملك من عماد أو ثقة أو قطب أو باسم مضاف إلى الجهان من صدر وغيره فبذلك يخاطبه الملك وجميع الناس ومن خاطبه بسوى ذلك لزمته العقوبة فأكدت المودة بين الوزير والشريف فأحسن إليه ورفع قدره ولاطف الملك حتى حسن فيه رأيه وأمر له بقريتين من قرى دولة أباد وأمره أن تكون إقامته بها وكان هذا الوزير من أهل الفضل والمروءة ومكارم الأخلاق والمحبة في الغرباء والإحسان إليهم وفعل الخير وإطعام الطعام وعمارة الزاويا فأقام الشريف يستغل القريتين ثمانية أعوام وحصل من ذلك مالاً عظيماً ثم أراد الخروج فلم يمكنه فإنه من خدم السلطان لا يمكنه الخروج إلا بإذنه وهو محب في الغرباء فقليلاً ما يأذن لأحدهم في السراح فأراد الفرار في طريق الساحل فرد منه وقدم الحضرة ورغب من الوزير أن يحاول قضية انصرافه فتلطف الوزير في ذلك حتى أذن له السلطان في الخروج عن بلاد الهند وأعطاه عشرة آلاف دينار من دراهمهم وصرفها من ذهب المغرب ألفان وخمسمائة دينار فأتى بها في بدرة فجعلها تحت فراشه ونام عليها لمحبته في الدنانير وفرحه بها وخوفه أن يتصل لأحد من أصحابه شيء منها فإنه كان بخيلا فأصابه وجع في جنبه بسبب رقاده عليها ولم يزل يتزايد به وهو آخذ في حركة سفره إلى أن توفي بعد عشرين يوماً من وصول البدرة إليه وأوصى بذلك المال للشريف حسن الجراني فتصدق بجملته على جماعة من الشيعة المقيمين بدلهي من أهل الحجاز والعراق، وأهل الهند لا يورثون بيت المال ولا يتعرضون