والمستشهدين يوم الجمل. وكان أمير البصرة حين ورودي عليها يسمى بركن الدين العجمي التوريزي أضافني فأحسن إلي. والبصرة على ساحل الفرات والدجلة، وبها المد والجزر كمثل ما هو بوادي سلا من بلاد المغرب وسواه والخليج المالح الخارج من بحر فارس على عشرة أميال منها. فإذا كان المد غلب الماء المالح على العذب وإذا كان الجزر غلب الماء الحلو على الماء المالح، فيستسقي أهل البصرة ماء غير جيد لدورهم. ولذلك يقال أن ماءهم زعاق. قال ابن جزي: وبسبب ذلك كان هواء البصرة غير جيد، وألوان أهلها مصفرة كاسفة، حتى ضرب بهم المثل. وقال بعض الشعراء وقد أحضرت بين يدي الصاحب أترجة:
لله أترج غدا بيننا ... معبراً عن حال ذي عبرَهْ
لما كسا الله ثياب الضنا ... أهل الهوى وساكني البصرَهْ
ثم ركبت من ساحل البصرة في صنبوق، وهو القارب الصغير إلى الأبُلّة. وبينها وبين البصرة عشرة أميال في بساتين متصلة ونخيل مظلة عن اليمين واليسار والبياعة في ظلال الأشجار يبيعون الخبز والسمك والتمر واللبن والفواكه وفيما بين البصرة والأبلة متعبد سهل بن عبد الله التستري فإذا حاذاه الناس بالسفن تراهم يشربون الماء مما يحاذيه من الوادي ويدعون عند ذلك تبركاً بهذا الوالي رضي الله عنه. والنواتية يحرفون في هذه البلد، وهم قيام. وكانت الأبلة مدينة عظيمة يقصدها تجار الهند وفارس فخربت وهي الآن قرية بها آثار قصور وغيرها دالة على عظمها، ثم ركبنا في الخارج من بحر فارس في مركب صغير لرجل من أهل الأبلة يسمى بمغامس، وذلك فيما بعد المغرب فصحبنا إلى عبادان وهي قرية كبيرة في سبخة لا عمارة بها وفيها مساجد كثيرة ومتعبدات ورباطات للصالحين وبينها وبين الساحل ثلاثة أميال. قال ابن جزي: عبادان كانت بلداً فيما تقدم، وهي مجدبة لا زرع بها، وإنّما يجلب إليها، والماء أيضاً بها قليل. وقد قال فيها بعض الشعراء:
من مبلغ أندلساً أنني ... حللت عبادان أَقصى الثرى
أوحشَ ما أبصرتُ لكنني ... قصدتُ فيها ذكرَها في الورى
الخبزُ فيها يتهادَونَه ... وشربةُ الماءِ بها تُشْتَرى
وعلى ساحل البحر منها رابطة، تعرف بالنسبة إلى الخضر وإلياس عليهما