السلام. وبإزائها زاوية يسكنها أربعة من الفقراء بأولادهم يخدمون الرابطة والزاوية، ويتعيشون من فتوحات الناس وكل من يمر بهم يتصدّق عليهم وذكر لي أهل هذه الزاوية أن بعبادان عابداً كبير القدر ولا أنيس له يأتي هذا البحر مرة في الشهر فيصطاد فيه ما يقوته شهراً ثم لا يرى إلا بعد تمام شهر وهو على ذلك منذ أعوام فلمّا وصلنا عبادان لم يكن لي شأن إلا طلبه فاشتغل من معي بالصلاة في المساجد والمتعبدات وانطلقت طالباً له فجئت مسجداً خرباً فوجدته يصلي فيه فجلست في جانبه فأوجز في صلاته ولما سلم أخذ بيدي وقال لي بلغك الله مرادك في الدنيا والآخرة فقد بلغت بحمد الله مرادي في الدنيا وهو السياحة في الأرض وبلغت من ذلك ما لم يبلغه غيري فيما أعلمه وبقيت الأخرى والرجاء قوي في رحمة الله وتجاوزه وبلوغ المراد من دخول الجنة ولما أتيت أصحابي أخبرتهم خبر الرجل وأعلمتهم بموضعه فذهبوا إليه فلم يجدوه ولا وقعُوا له على خبر فعجبوا من شأنه وعُدْنا بالعشي إلى الزاوية فَبِتْنا بها ودخل علينا أحد الفقراء الأربعة بعد صلاة العشاء الآخرة ومن عادة ذلك الفقير أن يأتي عبادان كل ليلة فيسرج السرج بمساجدها ثم يعود إلى زاويته فلما وصل إلى عبادان وجد الرجل العابد فأعطاه سمكة طرية وقال له أوصل هذه إلى الضيف الذي قدم اليوم فقال لنا الفقير عند دخوله علينا من رأى منكم الشيخ اليوم؟ فقلت له: أنا رأيته فقال لي هذه ضيافتك فشكرت الله على ذلك وطبخ لنا الفقير تلك السمكة فأكلنا منها جميعاً، وما أكلت قط سمكاً أطيب منها وهجس في خاطري الإقامة بقية العمر في خدمة ذلك الشيخ ثم صرفتي النفس اللجوج عن ذلك، ثم ركبنا البحر عند الصبح بقصد بلده ماجول ومن عادتي في سفري أن لا أعود على طريق سلكتها ما أمكنني ذلك وكنت أحب قصد بغداد العراق فأشار علي بعض أهل البصرة بالسفر إلى أرض اللور ثم إلى عراق العجم ثم إلى عراق العرب فعملت بمقتضى إشارته ووصلنا بعد أربعة أيام إلى بلدة ماجول على وزن فاعول وجميمُها معقودة، وهي صغيرة على ساحل الخليج الذي ذكرنا أنه يخرج من بحر فارس وأرضها سبخة لا شجر فيها ولا نبات ولها سوق عظيمة من أكبر الأسواق وأقمت بها يوماً واحداً، ثم اكتريت دابة لوكوبي من الذين يجلبون الحبوب من رامز إلى ماجول وسرنا ثلاثاً في صحراء يسكنها الأكراد في بيوت الشعر. ويقال: إان أصلهم من العرب، ثم وصلنا إلى مدينة رامز، وأول