بين أيدي الواردين ومرتب الطعام لهم والرابع موكل بالطباخين والسقائين والفراشين فأقمت عنده ستة عشر يوماً فلم أر أعجب من ترتيبه ولا أرغد من طعامه يقدم بين يدي الرجل ما يكفي الأربعة من الأرز المفلفل المطبوخ في السمن والدجاج المقلي والخبز واللحم والحلواء وهذا الشيخ من أحسن الناس صورة وأقومهم سيرة وهو يعظ الناس بعد صلاة الجمعة بالمسجد الجامع ولما شاهدت مجالسه في الوعظ صغر لدي كل واعظ رأيته قبله بالحجاز والشام ومصر ولم ألق فيمن لقيته مثله.
حضرت يوماً عنده ببستان له على شاطيء النهر وقد اجتمع فقهاء المدينة وكبراؤها وأتى الفقهاء من كل ناحية فأطعم الجميع ثم صلى بهم صلاة الظهر وقام خطيباً وواعظاً بعد أن قرأ القراء أمامه بالتلاحين المبكية والنغمات المحركة المهيجة وخطب خطبة بسكينة ووقار وتصرف في فنون العلم من تفسير كتاب الله وإيراد حديث رسول الله والتكلم على معانيه ثم ترامت عليه الرقاع من كل ناحية ومن عادة الأعاجم أن يكتبوا المسائل في رقاع ويرموا بها إلى الواعظ فيجيب عنها فلما رمى إليه بتلك الرقاع جمعها في يده وأخذ يجيب عنها واحدة بعد واحدة بأبدع جواب وأحسنه وحان وقت صلاة العصر فصلى بالقوم وانصرفوا وكان مجلسه مجلس علم ووعظ وبركة وتبادر التائبون فأخذ عليهم العهد وجز نواصيهم وكانوا خمسة عشر رجلاً من الطلبة قدموا من البصرة برسم ذلك وعشرة رجال من عوام تستر.
ولما دخلت هذه المدينة أصابني مرض الحمى، وهذه البلاد يحمّ داخلها في زمان الحر كما يعرض في دمشق وسواها من البلاد الكثيرة المياه والفواكه. وأصابت الحمى أصحابي أيضاً. فمات منهم شيخ اسمه يحيى الخراساني وقام الشيخ بتجهيزه من كل ما يحتاج إليه الميت وصلى عليه وتركت بها صاحب يدعى بهاء الدين الخشني فمات بعد سفري وكنت حين مرضي لا أشتهي الأطعمة التي تصنع لي بمدرسته فذكر لي الفقيه شمس الدين السندي من طلبتها طعاماً فاشتهيته ودفعت له دراهم وطبخ لي ذلك الطعام بالسوق وأتى به إلي فأكلت منه فبلغ ذلك الشيخ فشق عليه وأتى إلي وقال لي كيف تفعل هذا وتطبخ الطعام في السوق؟ وهلاّ أمرت الخدم أن يصنعوا لك ما تشتهيه ثم أحضر جمعهم وقال لهم جميع ما يطلب منكم من أنواع الطعام والسكر وغيره