لرجل صالح فدفع لي هذه الدراهم فتركتها لتكون نفقة مواراتي وما فضل منها يتصدق بها فعجبت من شأنه وأردت الانصراف فحلف علي وأضافني بذلك الموضع. ومن المشاهد بخارج شيراز قبر الشيخ الصالح المعروف بالسعدي وكان أشعر أهل زمانه باللسان الفارسي وربما ألمع في كلامه بالعربي وله زاوية كان قد عمرها بذلك الموضع حسنة بداخلها بستان مليح وهي بقرب رأس النهر الكبير المعروف بركن أباد وقد صنع الشيخ هنالك أحواضاً صغاراً من المرمر لغسل الثياب فيخرج الناس من المدينة لزيارته ويأكلون من سماطه ويغسلون ثيابهم بذلك النهر وينصرفون وكذلك فعلت عنده رحمه الله. وبمقربة من هذه الزاوية زاوية أخرى تتصل بها مدرسة مبنية على قبر شمس الدين السماني وكان من الأمراء الفقهاء ودفن هنالك بوصية منه بذلك.
وبمدينة شيراز من الفقهاء الشريف مجد الدين وأمره في الكرم عجيب وربما جاد بكل ما عنده وبالثياب التي كانت عليه ويلبس مرقعة فيدخل عليه كبراء المدينة فيجدونه على تلك الحال فيكسونه ومرتبه في كل يوم من السلطان خمسون ديناراً دراهم. ثم كان خروجي من شيراز برسم زيارة قبر للشيخ الصالح أبو إسحاق الكازروني بكازرون وهي على مسيرة يومين من شيراز فنزلنا أول يوم ببلاد الشول وهم طائفة من الأعاجم يسكنون البرية وفيهم الصالحون.
وحين قعدت ببعض المساجد بشيراز، أتلو كتاب الله عز وجل إثر صلاة الظهر خطر بخاطري أنه لو كان لي مصحف كريم لتلوت فيه فدخل علي في أثناء ذلك شاب وقال لي بكلام قوي خذ فرفعت رأسي إليه فألقى في حجري مصحفاً كريماً وذهب عني فختمته ذلك اليوم قراءة وانتظرته لأرده له فلم يعد إلي فسألت عنه فقيل لي ذلك بهلول الشولي ولم أره بعد ذلك ووصلنا عشي اليوم الثاني إلى كازرون فقصدنا زاوية الشيخ أبي إسحاق نفع الله به وبتنا بها تلك الليلة ومن عادتهم أن يطعموا الوارد كائنا من كان من الهريسة المصنوعة من اللحم والسمن وتؤكل بالرقاق ولا يتركون الوارد عليهم للسفر حتى يقيم الضيافة ثلاثة ويعرض على الشيخ الذي بالزاوية حوائجه ويذكرها الشيخ للفقراء الملازمين للزاوية وهم يزيدون على مائة منهم المتزوجون ومنهم الأعزاب المتجردون فيختمون القرآن ويذكرون الذكر ويدعون له عند ضريح الشيخ أبي إسحاق فتقضى حاجته بإذن الله وهذا الشيخ أبو إسحاق معظم عند أهل