ذكرتُ من مسارح الكوخِ روْضاً ... لم يزل ناضراً وماء نميرا
واجتنت من رُبى المحوَل نورا ... واجتلتْ من مطالعِ التاجِ نورا
ولبعض نساء بغداد في ذكرها:
آهاً على بغدادها وعراقها ... وظبائها والسحر في أحداقها
ومجالها عند الفرات بأوجهٍ ... تبدو أهلتها على أطواقها
متبختراتٍ في النعيم كأنما ... خُلقَ الهوى العذري من أخلاقها
نفسي الفداء لها فأي محاسنٍ ... في الدهر تشرق من سنا إشراقها
ولبغداد جسران اثنان معقودان على نحو الصفة التي ذكرناها في جسر مدينة الحلة والناس يعبرونها ليلاً ونهاراً، رجالاً ونساءً فهم في ذلك في نزهة متصلة وببغداد من المساجد التي يخطب فيها وتقام فيها الجمعة أحد عشر مسجداً منها بالجانب الغربي ثمانية وبالجانب الشرقي ثلاثة والمساجد سواها كثيرة جداً وكذلك المدارس إلا أنها خربت وحمامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمامات وأكثرها مطلية بالقار ومسطحة به فيخيل لرائيه أنه رخام أسود وهذا القار يجلب من عين بين الكوفة والبصرة تنبع أبداً به ويصير في جوانبها كالصلصال فيجرف منها ويجلب إلى بغداد وفي كل حمام منها خلوات كثيرة كل خلوة منها مفروشة بالقار مطلي نصف حائطها مما يلي الأرض به والنصف الأعلى مطلي بالجص الأبيض الناصع فالضدان بها مجتمعان متقابل حسنهما وفي داخل كل خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان أحدهما يجري بالماء الحار والآخر بالماء البارد فيدخل الإنسان الخلوة منها منفرداً لا يشاركه أحد إلا أراد ذلك وفي زاوية كل خلوة أيضاً حوض آخر للاغتسال فيه أيضا أنبوبان يجريان بالحار والبارد وكل داخل يعطى ثلاث من الفوط إحداها ينزل بها عند دخوله والأخرى يتزر بها عند خروجه والأخرى ينشف بها الماء عن جسده ولم أرى هذا الإتقان كله في مدينة سوى بغداد وبعض البلاد تقاربها في ذلك.