للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليلة جمعة إلى هذا الرباط يتعبدون فيه. وأهل الموصل لهم مكارم أخلاق ولين كلام وفضيلة ومحبة في الغريب وإقبال عليه وكان أمير ها حين قدومي عليها السيد الشريف الفاضل علاء الدين بن شمس الدين محمد الملقب بحيدر وهو من الكرماء الفضلاء أنزلني بداره وأجرى علي الانفاق مدة مقامي عنده وله الصدقات والإيثار المعروف.

وكان السلطان أبو سعيد يعظمه وفوض إليه أمر هذه المدينة وما يليها ويركب في موكب عظيم من مماليكه وأجناده ووجوه أهل المدينة وكبراؤها يأتون للسلام عليه غدوا وعشيا وله شجاعة ومهابة وولده في حين كتب هذا في حضرة فاس مستقر الغرباء ومأوى الفرق ومحط رحال الوفود زادها الله بسعادة أيام مولانا أمير المؤمنين١ بهجة وإشراقاً وحرس أرجاءها ونواحيها.

ثم رحلنا من الموصل ونزلنا قرية تعرف بعين الرصد وهي على نهر عليه جسر مبني وبها خان كبير. ثم رحلنا ونزلنا قرية تعرف بالمويلحة، ثم رحلنا منها ونزلنا جزيرة ابن عمر وهي مدينة كبيرة حسنة محيط بها الوادي ولذلك سميت جزيرة وأكثرها خراب ولها سوق حسنة ومسجد عتيق مبني بالحجارة محكم العمل وسورها مبني بالحجارة أيضا وأهلها فضلاء لهم محبة في الغرباء ويوم نزلنا بها رأينا جبل الجودي المذكور في كتاب الله عز وجل٢ الذي استوت عليه سفينة نوح عليه السلام وهو جبل عال مستطيل.

ثم رحلنا مرحلتين ووصلنا إلى مدينة نصيبين وهي مدينة عظيمة عتيقة متوسطة قد خرب أكثرها وهي في بسيط أفيح فيه المياه الجارية والبساتين الملتفة والأشجار المنتظمة والفواكه الكثيرة وبها يصنع ماء الورد الذي لا نظير له في العطارة والطيب ويدور بها نهر يعطف عليها انعطاف السوار منبعه من عيون في جبل قريب منها وينقسم انقساما فيتخلل بساتينها ويدخل منه نهر إلى المدينة فيجري في شوارعها ودورها ويخترق صحن مسجدها الأعظم وينصب في صهريجين أحدهما في وسط الصحن والآخر عند الباب الشرقي وبهذه المدينة


١ يعني السلطان أبا عنان.
٢ في قول الله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . "هود/٤٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>