مارستان ومدرستان وأهلها أهل صلاح ودين وصدق وأمانة ولقد صدق أبو نواس في قوله:
طابت نصيبين لي يوما وطبت لها ... يا ليت حظي من الدنيا نصيبين
قال ابن جزي: والناس يصفون مدينة نصيبين بفساد الماء والوخامة، وفيها يقول بعض الشعراء:
لنصيبين قد عجبت وما في ... دارها لي داعٍ إلى العلاّت
يعدم الورد أحمراً في ذُراها ... لسقام حتى من الوجنات
ثم رحلنا إلى مدينة سنجار وهي مدينة كبيرة كثيرة الفواكه والأشجار والعيون المطردة والأنهار مبنية في سفح الجبل تشبه بدمشق في كثرة أنهارها وبساتينها ومسجدها الجامع مشهور البركة يذكر أن الدعاء به مستجاب ويدور به نهر ماء يشقه. وأهل سنجار أكراد ولهم شجاعة وكرم وممن لقيته بها الشيخ الصالح العابد الزاهد عبد الله الكردي أحد المشايخ الكبار صاحب كرامات يذكر عنه أنه لا يفطر إلا بعد أربعين يوماً ويكون إفطاره على نصف قرص من الشعير، لقيته برابطة بأعلى جبل سنجار ودعا لي وزودني بدراهم لم تزل عندي إلى أن سلبني كفار الهنود. ثم سافرنا إلى مدينة دارا وهي عتيقة كبيرة المنظر لها قلعة مشرفة وهي الآن خراب لا عمارة بها وفي خارجها قرية معمورة بها كان نزولنا، ثم رحلنا منها فوصلنا إلى مدينة ماردين وهي عظيمة في سطح جبل من أحسن مدن الإسلام وأبدعها وأتقنها وأحسنها أسواقاً وبها تصنع الثياب المنسوبة إليها من الصوف المعروف بالمرعز ولها قلعة شماء من مشاهير القلاع في قنة جبلها. قال ابن جزي: قلعة ماردين هذه تسمى الشهباء وإياها عنى شاعر العراق صفي الدين عبد العزيز ابن سراي الحليّ بقوله في مسمطته:
فَدَع ربوع الحِلّة الفيحاءِ ... وازورّ بالعِيس عن الزَّوراء
ولا تقف بالموصل الحدباء ... إن شهاب القلَعة الشهباء
محرق شيطان صروف الدهر
وقلعة حلب الشهباء أيضاً وهذه المسمطة بديعة مدح بها الملك المنصور