وركب من ركب من الأتراك وأمير هم خاص ترك فخرج إليهم القاضي والأئمة والمجاورين وفوق رؤوسهم المصاحف وحاولوا الصلح ودخل الحجاج مكة فأخذوا ما لهم بها وانصرفوا إلى مصر وبلغ الخبر إلى الملك الناصر فشق عليه وبعث العساكر إلى مكة ففر الأمير عطيفة وابنه مبارك وخرج أخوه رميثة وأولاده إلى وادي نخلة فلما وصل العسكر إلى مكة بعث الأمير رميثة أحد أولاده يطلب له الأمان ولولده فأمنوه وأتى رميثة وكفنه في يده إلى الأمير فخلع عليه وسلمت إليه مكة وعاد العسكر إلى مصر وكان الملك الناصر رحمه الله حليماً فاضلاً، فخرجت تلك الأيام من مكة قاصداً بلاد اليمن فوصلت إلى حده "بالحاء المهمل المفتوح" وهي نصف الطريق بين مكة وجدة "بالجيم المضمومة"، ثم وصلت إلى جدة وهي بلدة قديمة على ساحل البحر يقال إنها من عمارة الفرس وبخارجها مصانع قديمة وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد يتصل بعضها ببعض تفوت الإحصاء كثيرة وكانت هذه السنة قليلة المطر وكان الماء يجلب إلى جدة على مسيرة يوم وكان الحجاج يسألون الماء من أصحاب البيوت.
ومن غريب ما اتفق لي بجدة أنه وقف على بابي سائل أعمى يطلب الماء يقوده غلام فسلم علي وسماني باسمي ولم أكن عرفته قط ولا عرفني وعجبت من شأنه ثم أمسك أصبعي بيده وقال أين الفتحة وهي الخاتم وكنت حين خروجي من مكة لقيني بعض الفقراء وسألني ولم يكن عندي في ذلك الحين شيء فدفعت له خاتمي فلما سألني عنه هذا الأعمى قلت له أعطيته لفقير فقال ارجع في طلبه فإن فيه أسماء مكتوبة فيها سر من الأسرار فطال تعجبي منه ومن معرفته ذلك والله أعلم بحاله. وبجدة جامع يعرف بجامع الأبنوس معروف البركة يستجاب به الدعاء، وكان الأمير بها أبا يعقوب بن عبد الرزاق وقاضيها وخطيبها الفقيه عبد الله من أهل مكة شافعي المذهب وإذا كان يوم الجمعة واجتمع الناس للصلاة أتى المؤذن وعد أهل جدة المقيمين بها فإن أكملوا أربعين خطب وصلى بهم الجمعة وإن لم يبلغ عددها أربعين صلى ظهراً أربعاً ولا يعتبر من ليس من أهلها وإن كانوا عدداً كثيراً. ثم ركبنا البحر من جدة في مركب يسمونه الجلبة وكان لرشيد الدين الألفي اليمني الحبشي الأصل، وركب الشريف منصور بن أبي نمي في جلبة أخرى ورغب