للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مني أن أكون معه فلم أفعل لكونه كان معه في جلبته الجمال فخفت من ذلك ولم أكن ركبت البحر قبلها وكان هنالك جملة من أهل اليمن قد جعلوا زوادهم وأمتعتهم في الجلب وهم متأهبون للسفر.

ولما ركبنا البحر أمر الشريف منصور أحد غلمانه أن يأتيه بعديلة دقيق وهي نصف حمل وبطة سمن يأخذهما من جلب أهل اليمن فأخذهما وأتى بهما إليه فأتى التجار باكين وذكروا لي أن في جوف تلك العديلة عشرة آلاف درهم نقرة ورغبوا مني أن أكلمه في ردها وأن يأخذ سواها فأتيته وكلمته في ذلك وقلت له أن للتجار في جوف هذه العديلة شيئاً فقال أن كان سكراً فلا أرده إليهم وإن كان سوى ذلك فهو لهم ففتحوها ووجدوا الدراهم فردها عليهم وقال لي: لو كان عجلانا ما ردها وعجلان هو ابن أخيه رميثة. وكان قد دخل في تلك الأيام دار تاجر من أهل دمشق قاصداً لليمن فذهب بمعظم ما كان فيها وعجلان هو أمير مكة على هذا العهد وقد صلح حاله وأظهر العدل والفضل، ثم سافرنا في هذا البحر بالريح الطيبة يومين وتغيرت الريح بعد ذلك وصدتنا عن السبيل التي قصدنا ودخلت أمواج البحر معنا في المركب واشتد الميد بالناس١ ولم نزل في أهوال حتى خرجنا في مرسى يعرف برأس دوائر فيما بين عيدان وسواكن فنزلنا به ووجدنا بساحله عريش قصب على هيئة مسجد وبه كثير من قشور بيض النعام مملوءة ماء فشربنا منه وطبخناه ورأيت في ذلك المرسى عجباً وهو خور مثل الوادي يخرج من البحر فكان الناس يأخذون الثوب ويمسكون بأطرافه ويخرجون به وقد امتلأ سمكاً كل سمكة منها قدر الذراع ويعرفونه بالبوري فطبخ منه الناس كثيراً واشتروا وقصدت إلينا طائفة من البجاة هم سكان تلك الأرض سود الألوان لباسهم الملاحف الصفر ويشدون على رؤوسهم عصائب حمراء عرض الإصبع وهم أهل نجدة وشجاعة وسلاحهم الرماح والسيوف ولهم جمال يسمونها الصهب يركبونها بالسروج فاكترينا منهم الجمال وسافرنا معهم في برية كثيرة الغزلان، والبجاة لا يأكلونها وهي تأنس بالآدمي ولاتنفر منه. وبعد يومين من مسيرنا وصلنا إلى حي من العرب يعرفون بأولاد كاهل مختلطين بالبجاة.


١ يقال: ماد، أي أصابه غثيان ودوار من سكر أو ركوب بحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>