عارفين بلسانهم، وفي ذلك اليوم وصلنا إلى جزيرة سواكن وهي على نحو ستة أميال من البر ولا ماء بها ولا زرع ولا شجر والماء يجلب إليها في القوارب وفيها صهاريج يجتمع بها ماء المطر وهي جزيرة كبيرة وبها لحوم النعام والغزلان وحمر الوحش والمعزي عندهم كثير والألبان والسمن منها يجلب إلى مكة وحبوبهم الجرجور وهو نوع من الذرة كبير الحب يجلب منها أيضا إلى مكة.
وكان سلطان جزيرة سواكن حين وصولي إليها الشريف أبي نمي وأبوه أمير مكة وأخوه أمير ها بعده وهما عطيفة ورميثة اللذان تقدم ذكرهما وصارت إليه من قبل البجاة فإنهم أخواله ومعه عسكر من البجاة وأولاد كاهل وعرب جهينة، وركبنا البحر من جزيرة سواكن نريد أرض اليمن وهذا البحر لا يسافر فيه بالليل لكثرة أحجاره وإنما يسافرون فيه من طلوع الشمس إلى غروبها ويرسون فينزلون إلى البر فإذا كان الصباح صعدوا إلى المركب وهم يسمون رئيس المركب الربان ولا يزال أبداً في مقدم المركب ينبه صاحب السكان على الأحجار١ وهم يسمونها النبات. وبعد ستة أيام من خروجنا عن جزيرة سواكن وصلنا إلى مدينة "حلي""وضبط اسمها بفتح الحاء المهمل وكسر اللام وتخفيفها" وتعرف باسم ابن يعقوب وكان من سلاطين اليمن ساكنا بها قديما وهي كبيرة حسنة العمارة يسكنها طائفتان من العرب وهم بنو حرام وكنانة وجامع هذه المدينة من أحسن الجوامع وفيه جماعة من الفقراء المنقطعين إلى العبادة منهم الشيخ الصالح العابد الزاهد قبولة الهندي من كبار الصالحين لباسه مرقعة وقلنسوة لبد وله خلوة متصلة بالمسجد فرشها الرمل لا حصير بها ولا بساط ولم أر بها حين لقائي له شيئاً إلا إبريق الوضوء وسفرة من خوص النخيل فيها كسر شعير يابسة وصحيفة فيها ملح وسعتر فإذا جاءه أحد قدم بين يديه ذلك ويسمع به أصحابه فيأتي كل واحد منهم بما حضر من غير تكلف شيء وإذا صلوا العصر اجتمعوا للذكر بين يدي الشيخ إلى صلاة المغرب وإذا صلوا المغرب أخذ كل واحد منهم موقفه للتنفل فلا يزالون كذلك إلى صلاة العشاء الآخرة فإذا صلوا العشاء الآخرة أقاموا على الذكر إلى ثلث الليل