صنعاء من أحسن الجوامع وفيه قبر نبي من الأنبياء عليهم السلام. ثم سافرت منها إلى مدينة عدن مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الأعظم والجبال تحف بها ولا مدخل إليها إلا من جانب واحد وهي مدينة كبيرة ولا زرع بها ولا شجر ولا ماء وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيام المطر والماء على بعد منها فربما منعته العرب وحالوا بين أهل المدينة وبينه حتى يصانعونهم بالمال والثياب وهي شديدة الحر وهي مرسى أهل الهند تأتي إليها المراكب العظيمة من كنبايت وتانة وكولم وقالقوط وفندراينة والشاليات ومنجرور وفاكنور وهنور وسندابور وغيرها وتجار الهند ساكنون بها وتجار مصر أيضاً. وأهل عدن ما بين تجار وحمالين وصيادين للسمك وللتجار منهم أموال عريضة وربما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه لا يشاركه فيه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة.
وذكر لي أن بعضهم بعث غلاماً له ليشتري له كبشاً، وبعث آخر منهم غلاما له برسم ذلك أيضا فاتفق أنه لم يكن بالسوق في ذلك اليوم إلا كبش واحد فوقعت المزايدة فيه بين الغلامين فأنهى ثمنه إلى أربعمائة دينار. فأخذه أحدهما وقال أن رأس مالي أربعمائة دينار فإن أعطاني مولاي ثمنه فحسن وإلا دفعت فيه رأس مالي ونصرت نفسي وغلبت صاحبي وذهب بالكبش إلى سيده فلما عرف سيده بالقضية أعطاه ألف دينار وعاد الآخر إلى سيده خائباً فضربه وأخذ ماله ونفاه عنه ونزلت في عدن عند تاجر يعرف بناصر الدين الفأري فكان يحضر طعامه كل ليلة نحو عشرين من التجار وله غلمان وخدام أكثر من ذلك ومع هذا كله فهم أهل دين وتواضع وصلاح ومكارم أخلاق يحسنون إلى الغريب ويؤثرون على الفقير ويعطون حق الله من الزكاة على ما يجب ولقيت بهذه المدينة قاضيها الصالح سالم بن عبد الله الهندي وكان والده من العبيد الحمالين واشتغل ابنه بالعلم فرأس وساد وهو من خيار القضاة وفضلائهم أقمت في ضيافته أياماً. وسافرت من مدينة عدن في البحر أربعة أيام ووصلت إلى مدينة زيلع وهي مدينة البرابرة وهم طائفة من السودان شافعية المذهب وبلادهم صحراء مسيرة شهرين. أولها زيلع وآخرها مقدشو. ومواشيهم الجمال ولهم أغنام مشهورة السمن وأهل زيلع سود الألوان وأكثرهم رافضة وهي مدينة كبيرة لها سوق عظيمة إلا أنها أقذر مدينة في