للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبخارجها أيضا بين بساتينها موضع يعرف بالمنية فيه شيخ من الفضلاء يعرف بابن النعمان قصدت زاويته وبت عنده وكان بدمياط أيام إقامتي بها وال يعرف بالمحسني من ذوي الإحسان والفضل بنى مدرسة على شاطيء النيل وبها كان نزولي في تلك الأيام وتأكدت بيني وبينه مودة. ثم سافرت إلى مينة فارسكور وهي مدينة على ساحل النيل، "والكاف الذي في اسمها مضموم". ونزلت بخارجها ولحقني هنالك فارس وجهه إلي الأمير المحسني فقال لي أن الأمير سأل عنك وعرف بسيرتك فبعث إليك بهذه النفقة ودفع إلي بجملة دراهم جزاه الله خيرا. ثم سافرت إلى مدينة أشمون الرمان، "وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الشين المعجم". ونسبت إلى الرمان لكثرته بها ومنها يحمل إلى مصر وهي مدينة عتيقة كبيرة على خلج النيل ولها قنطرة خشب ترسو المراكب عندها فإذا كان العصر رفعت تلك الخشب وجازت المراكب صاعدة ومنحدرة وبهده البلدة قاضي القضاة ووالي الولاة. ثم سافرت عنها إلى مدينة سمنود وهي على شاطيء النيل كثيرة المراكب حسنة الأسواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلاثة فراسخ، "وضبط اسمها بفتح السين المهملة والميم وتشديد النون وضمها وواو ودال مهمل". ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعدا إلى مصر ما بين مدائن وقرى منتظمة متصل بعضها ببعض ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد لأنه مهما أراد النزول بالشاطيء نزل للوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك والأسواق متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مصر ومن مصر إلى مدينة أسوان من الصعيد. ثم وصلت إلى مدينة مصر وهي أم البلاد وقرارة فرعون١ ذي الأوتاد ذات الإقاليم العريضة والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة ومجمع الوارد والصادر ومحط رحل الضعيف والقادر وبها ما شئت من عالم وجاهل وجاد وهازل،


١مدينة مصر في زمن ابن بطوطة وهي مدينة القاهرة، وتتكون من أربع مدن أنشئت في العصر الإسلامي هي الفسطاط التي أنشأها عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر، والعسكر، وأنشأها صالح بن علي من بني العباس، والقطائع التي أنشأها أحمد بن طولون، والقاهرة التي أنشأها جوهر الصقلي قائد المعتز لدين الله الفاطمي، وعلى هذا فلم يسكنها فرعون من فراعنة مصر الأقدمين، ويظهر أنه أراد بفرعون: حاكم مصر.
وكلمة فرعون كانت تطلق على حكام مصر، ومعناها في اللغة المصرية القديمة: ملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>