وعلي خير البشر، من خالفهما فقد كفر، ثم سافرنا منها إلى مدينة هجر وتسمى الآن بالحسا "بفتح الحاء والسين وإهمالها" وهي التي يضرب بها المثل، فيقال: كجالب التمر إلى هجر، وبها من النخل ما ليس ببلد سواها ومنه يعلفون دوابهم، وأهلها عرب وأكثرهم من قبيلة عبد القيس بن أفصى، ثم سافرنا منها إلى مدينة اليمامة وتسمى أيضا بحجر "بفتح الحاء المهمل وإسكان الجيم" مدينة حسنة خصبة ذات أنهار وأشجار يسكنها طوائف من العرب وأكثرهم من بني حنيفة وهي بلدهم قديماً وأمير هم طفيل بن غانم، ثم سافرت منها في صحبة هذا الأمير برسم الحج وذلك في سنة ثنتين وثلاثين، فوصلت إلى مكة شرفها الله تعالى. وحج في تلك السنة الملك الناصر سلطان مصر رحمه الله وجملة من أمرائه وهي آخر حجة حجها وأجزل الإحسان لأهل الحرمين الشريفين وللمجاورين، وفيها قتل الملك الناصر أمير أحمد الذي يذكر أنه ولده وقتل أيضاً كبير أمرائه بكتمور الساقي.
ذكر أن الملك الناصر وهب لبكتمور الساقي جارية فلما أراد الدنو منها قالت إني حامل من الملك الناصر فاعتزلها وولدت ولداً سماه بالأمير أحمد ونشأ في حجره فظهرت نجابته واشتهر بابن الملك الناصر، فلما كان في هذه الحجة تعاهد على الفتك بالملك الناصر وأن يتولى أمير أحمد الملك وحمل بكتمور معه العلامات والطبول والكسوات والأموال فنمي الخبر إلى الملك الناصر، فبعث إلى الأمير أحمد في يوم شديد الحر فدخل عليه وبين يديه أقداح الشراب فشرب الملك الناصر قدحاً وناول إلى الأمير أحمد قدحاً ثانياً فيه السم فشربه وأمر بالرحيل في تلك الساعة ليشغل الوقت فرحل الناس ولم يبلغوا المنزل حتى مات الأمير أحمد فاكترث بكتمور لموته وقطع أثوابه وامتنع من الطعام والشراب وبلغ خبره إلى الملك الناصر فأتاه بنفسه ولاطفه وسلاّه وأخذ قدحاً فيه سم فناوله إياه وقال بحياتي عليك ألا شربت فبردت نار قلبك فشربه ومات من حينه ووجد عنده خلع السلطنة والأموال فتحقق مانسب إليه من الملك الناصر. ولما انقضى الحج توجهت إلى جدة برسم ركوب البحر إلى اليمن والهند فلم يقضى لي ذلك ولا تأتى لي رفيق وأقمت بجدة نحو أربعين يوماً وكان بها مركب لرجل يعرف بعبد الله التونسي يروم السفر إلى القصير من عمالة قوص فصعدت إليه لأنظر حاله فلم يرضني ولا طابت نفسي