للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنه ثانية ثم إلى مدينة اللاذقية وقد تقدم لنا ذكر هذه البلاد كلها. ومن اللاذقية ركبنا البحر في قرقورة كبيرة للجنوبين يسمى صاحبها بِمَرْتَلْمين وقصدنا بر التركية المعروف ببلاد الروم وإنما نسبت إلى الروم لأنها كانت بلادهم في القديم، ومنها الروم الأقدمون واليونانية ثم استفتحها المسلمون وبها الآن كثير من النصارى تحت ذمة المسلمين من التركمان وسرنا في البحر عشراً بريح طيبة وأكرمنا النصراني ولم يأخذ منا نولاً. وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا وهي أول بلاد الروم وهذا الإقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع الله ما تفرق من المحاسن في البلاد فأهله أجمل الناس صوراً وأنظفهم ملابس وأطيبهم مطاعم وأكثر خلق الله شفقة، ولذلك يقال البركة في الشام والشفقة في الروم وإنما عنى به أهل هذه البلاد وكنا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو داراً يتفقد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء وهن لا يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا ترى النساء باكيات لفراقنا متأسفات. ومن عادتهم بتلك البلاد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة يعدون فيه ما يقوتهم سائرها فكان رجالهم يأتون إلينا بالخبز الحار في يوم خبزه ومعه الأدام الطيب أطرافا لنا بذلك ويقولون لنا أن النساء بعثن هذا إليكم وهن يطلبن منكم الدعاء وجميع أهل هذه البلاد على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه مقيمين على السنة لا قدري فيهم ولا رافضي ولا معتزلي ولا خارجي ولا مبتدع، وتلك فضيلة خصهم الله تعالى بها إلا أنهم يأكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك. ومدينة العلايا التي ذكرناها كبيرة على ساحل البحر يسكنها التركمان وينزلها تجار مصر والإسكندرية والشام، وهي كثيرة الخشب ومنها يحمل إلى إسكندرية ودمياط ويحمل منها إلى سائر بلاد مصر، ولها قلعة بأعلاها عجيبة منيعة بناها السلطان المعظم علاء الدين الرومي، ولقيت بهذه المدينة قاضيها جلاء الدين الأرزنجاني وصعد معي إلى القلعة يوم الجمعة فصلينا بها وأضافني وأكرمني. وأضافني أيضا شمس الدين بن الرجيحاني الذي توفي أبوه علاء الدين بمالي من بلاد السودان.

<<  <  ج: ص:  >  >>