إلي ببيت يسمى عندهم الخرقة "خركاء" وهو عصي من الخشب تجمع شبه القبة وتجعل عليها اللبود ويفتح أعلاه لدخول الضوء والريح مثل البادهنج ويسد متى احتيج إلى سده وأتوا بالفرش ففرشوه وقعد الفقيه وقعدت معه وأصحابه وأصحابي خارج البيت تحت ظلال شجر الجوز وذلك الموضع شديد البرد ومات لي تلك الليلة فرس من شدة البرد. ولما كان من الغد ركب المدرس إلى السلطان وتكلم في شأني مما اقتضته فضائله ثم عاد إليّ وأعلمني بذلك وبعد ساعة وجه السلطان في طلبنا معا، فجئنا إلى منزله ووجدناه قائماً فسلمنا عليه وقعد الفقيه عن يمينه وأنا مما يلي الفقيه فسألني عن حالي ومقدمي وسألني عن الحجاز ومصر والشام واليمن والعراقين وبلاد الأعاجم، ثم حضر الطعام فأكلنا وانصرفنا وبعث الأرز والدقيق والسمن في كروش الأغنام وكذلك فعل الترك وأقمنا على تلك الحال أياماً يبعث إلينا كل يوم فنحضر طعامه وأتى يوماً إلينا بعد الظهر وقعد الفقيه في صدر المجلس وأنا على يساره وقعد السلطان عن يمين الفقيه وذلك لعزة الفقهاء عند الترك وطلب مني أن أن أكتب له أحاديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبتها له وعرضها الفقيه عليه في تلك الساعة فأمره أن يكتب له شرحها باللسان التركي ثم قام فخرج ورأى الخدام يطبخون لنا الطعام تحت ظلال الجوز بغير أدام ولا خضر فأمر بعقاب صاحب خزانته وبعث بالابزار والسمن. وطالت إقامتنا بذلك الجبل فأدركني الملل وأردت الانصراف وكان الفقيه أيضا قد ملّ من المقام هنالك فبعث إلى السلطان يخبره أني أريد السفر فلما كان من الغد بعث إلي السلطان نائبه فتكلم مع المدرس بالتركية ولم أكن إذا ذاك أفهمها فأجابه عن كلامه وانصرف، فقال لي المدرس أتدري ماذا قال؟ قلت: لا أعرف ما قال. قال: أن السلطان بعث إلي ليسألني ماذا يعطيك؟ فقلت له: عنده الذهب والفضة والخيل والعبيد فليعطه ما أحب من ذلك. فذهب إلى السلطان ثم عاد إلينا، فقال: أن السلطان يأمر أن تقيما هنا اليوم وتنزلا معه غداً إلى داره بالمدينة ولما كان من الغد بعث فرساً جيداً من مراكبه ونزل ونحن معه إلى المدينة فخرج الناس لاستقباله وفيهم القاضي المذكور آنفاً وسواه ودخل السلطان ونحن معه فلما نزل بباب داره ذهبت مع المدرس إلى ناحية المدرسة فدعا بنا وأمرنا بالدخول معه إلى داره. ولما وصلنا إلى دهليز الدار وجدنا من خدامه نحو عشرين صورهم فائقة الحسن وعليهم ثياب الحرير وشعورهم مفروقة