وألوانهم ساطعة البياض مشربة بحمرة، فقلت للفقيه: ما هذه الصور الحسان؟ قال: هؤلاء فتيان روميون، وصعدنا مع السلطان درجاً كثيرة إلى أن انتهينا إلى مجلس حسن في وسطه صهريج ماء وعلى كل ركن من أركانه صورة سبع نحاس يمج ماء من فيه وتدور بهذا المجلس مصاطب متصلة مفروشة وفوق أحداها مرتبة للسلطان فلما انتهينا إليها نحى السلطان مرتبته بيده وقعد معنا على الإطلاع وقعد الفقيه على يمينه والقاضي مما يلي الفقيه وأنا مما يلي القاضي وقعد القراء أسفل المصطبة والقراء لا يفارقونه حيث كان من مجالسه.
ثم جاءوا بصحاف من الذهب والفضة مملوة بالجلاب المحلول قد عصر فيه ماء الليمون وجعل فيه كعكات صغار مقسومة وفيها ملاعق ذهب وفضة وجاءوا معها بصحاف صيني فيها مثل ذلك وفيها ملاعق خشب فمن تورع استعمل صحاف الصيني وملاعق الخشب وتكلمت بشكر السلطان وأثنيت على الفقيه وبالغت في ذلك فأعجب ذلك السلطان وسره.
وفي أثناء قعودنا مع السلطان أتى شيخ على رأسه عمامة لها ذؤابة فسلم عليه وقام له القاضي والفقيه وقعد أمام السلطان فوق المصطبة والقراء أسفل منه، فقلت للفقيه من هذا الشيخ؟ فضحك وسكت، ثم أعدت السؤال، فقال لي هذا يهودي طبيب؟ وكلنا محتاج إليه فلأجل هذا فعلنا ما رأيت من القيام له، فأخذني ما حدث وقدم من الامتعاض، فقلت لليهودي: يا ملعون يا ابن ملعون كيف تجلس فوق قراء القرآن وأنت يهودي؟ وشتمته ورفعت صوتي، فعجب السلطان وسأل عن معنى كلامي فأخبره الفقيه به. وغضب اليهودي فخرج عن المجلس في أسوأ حال، ولما انصرفنا، قال الفقيه: أحسنت بارك الله فيك أن أحداً سواك لا يتجاسر على مخاطبته بذلك ولقد عرفته بنفسه.
وسألني السلطان في هذا المجلس فقال لي هل رأيت قط حجراً نزل من السماء؟ فقلت ما رأيت ذلك ولا سمعت به، فقال لي: إنه قد نزل بخارج بلدنا هذا حجر من السماء ثم دعا رجالاً وأمرهم أن يأتوا بالحجر فأتوا بحجر أسود أصم شديد الصلابة له بريق قدرت أن زنته تبلغ قنطاراً وأمر السلطان بإحضار القطاعين فحضر أربعة منهم فأمرهم أن يضربوه فضربوا عليه ضربة رجل واحد أربع مرات بمطارق الحديد فلم يؤثروا عليه فيه شيئا، فعجبت من أمره.