وأمر بردّه إلى حيث كان. وفي ثالث يوم من دخولنا إلى المدينة مع السلطان صنع صنيعاً عظيماً ودعا الفقراء والمشايخ وأعيان العسكر ووجوه أهل المدينة فطعموا وقرأ القراء القرآن بالأصوات الحسان وعدنا إلى منزلنا بالمدرسة وكان يوجه الطعام والفاكهة والحلواء والشمع في كل ليلة ثم بعث إلي مائة مثقال ذهباً وألف درهم وكسوة كاملة وفرساً ومملوكاً رومياً يسمى ميخائيل وبعث لكل من أصحابي كسوة ودراهم كل هذا بمشاركة المدرس محيي الدين جزاه الله تعالى خيراً، وودعناه وانصرفنا وكانت مدة مقامنا عنده بالجبل والمدينة أربعة عشر يوماً، ثم قصدنا مدينة تِيرَة وهي من بلاد هذا السلطان "وضبط اسمها بكسر التاء المعاوة وياء مد وراء" مدينة حسنة ذات أنهار وبساتين وفواكه نزلنا منها بزاوية الفتى محمد وهو من كبار الصالحين صائم الدهر وله أصحاب على طريقته فأضافنا ودعا لنا، وسرنا إلى مدينة أياسُلُوق "وضبط اسمها بفتح الهمزة والياء آخر الحروف وسين مهمل مضموم ولام مضموم وآخره قاف" مدينة كبيرة قديمة معظمة عند الروم وفيها كنيسة كبيرة مبنية بالحجارة الضخمة ويكون طول الحجر منها عشرة أذرع فيما دونها منحوتة أبدع نحت والمسجد الجامع بهذه المدينة من أبدع مساجد الدنيا لا نظير له في الحسن وكان كنيسة للروم معظمة عندهم يقصدونها من البلاد فلما فتحت هذه المدينة جعلها المسلمون مسجداً جامعاً وحيطانه من الرخام الملون وفرشه الرخام الأبيض وهو مسقف بالرصاص فيه إحدى عشرة قبة متنوعة في وسط كل قبة صهريج ماء والنهر يشقه وعن جانبي النهر الأشجار المختلفة الأجناس ودوالي العنب ومعرشات الياسمين وله خمسة عشر باباً وأمير هذه المدينة خضر بك ابن السلطان محمد بن آيدين، وقد كنت رأيته عند أبيه ببركي ثم لقيته بهذه المدينة خارجها فسلّمت عليه وأنا راكب فكره ذلك مني وكان سبب حرماني لديه، فإن عادتهم إذا نزل لهم الوارد نزلوا وأعجبهم ذلك، ولم يبعث إلا ثوباً واحداً من الحرير المذهب يسمونه النخ "بفتح النون وخاء معجم" واشتريت بهذه المدينة جارية رومية بكراً بأربعين ديناراً ذهباً، ثم سرنا إلى مدينة يَزْمِير١ "وضبط اسمها بياء آخر الحروف مفتوحة وزاي مسكن وميم مكسورة