ولما دخلنا هذه المدينة رآنا أهلها ونحن نصلي مسبلي أيدينا وهم حنفية لا يعرفون مذهب مالك ولا كيفية صلاته والمختار من مذهبه هو إسبال اليدين وكان بعضهم يرى الروافض بالحجاز والعراق يصلون مسبلي أيديهم فاتهمونا بمذهبهم وسألونا عن ذلك فأخبرناهم أننا على مذهب مالك فلم يقنعوا بذلك عنا واستقرت التهمة في نفوسهم حتى بعث إلينا نائب السلطان بأرنب وأوصى بعض خدامه أن يلازمنا حتى يرى ما نفعل به فذبحناه وطبخناه وأكلناه، وانصرف الخديم إليه وأعلمه بذلك فحينئذ زالت عنا التهمة وبعثوا لنا بالضيافة والروافض لا يأكلون الأرانب. وبعد أربعة أيام من وصولنا صنوب توفيت أم الأمير إبراهيم بها فخرجت في جنازتها وخرج ابنها على قدميه كاشفاً شعره وكذلك الأمراء والمماليك وثيابهم مقلوبة وأما القاضي والخطيب والفقهاء فإنهم قلبوا ثيابهم ولم يكشفوا رؤوسهم جعلوا عليها مناديل من الصوف الأسود عوضا عن العمائم وظلوا يطعمون الطعام أربعين يوماً وهي مدة العزاء عندهم. وكانت إقامتنا بهذه المدينة نحو أربعين يوماً ننتظر تيسير السفر في البحر إلى مدينة القرم فاكترينا مركباً للروم وأقمنا أحد عشر يوماً ننتظر مساعدة الريح ثم ركبنا البحر فلما توسطناه بعد ثلاث هال علينا واشتد بنا الأمر ورأينا الهلاك عياناً وكنت بالطارمة ومعي رجل من أهل المغرب يسمى أبا بكر فأمرته أن يصعد أعلى المركب لينظر كيف البحر ففعل ذلك وأتاني بالطارمة فقال لي: أستودعكم الله، ودهمنا من الهول ما لم يعهد مثله ثم تغيرت الريح وردتنا إلى مقربة من مدينة صنوب التي خرجنا منها وأراد بعض التجار النزول إلى مرساها فمنعت صاحب المركب من إنزاله، ثم استقامت الريح وسافرنا فلما توسطنا البحر هال علينا وجرى لنا مثل المرة الأولى، ثم ساعدت الريح ورأينا جبال البر وقصدنا مرسى يسمى الكرش فأردنا دخوله فأشار إلينا أناس كانوا بالجبل أن لا تدخلوا فخفنا على أنفسنا وظننا أن هنالك أجفاناً للعدو فرجعنا مع البر فلما قربنا قلت لصاحب المركب أريد أن أنزل ها هنا. فأنزلي بالساحل. ورأيت كنيسة فقصدتها فوجدت بها راهباً ورأيت في أحد حيطان الكنيسة صورة رجل عربي عليه عمامة متقلداً سيفا وبيده رمح وبين يديه سراج يوقد، فقلت للراهب: ما هذه الصورة فقال هذه صورة النبي علي، فأعجبت من قوله، وبتنا تلك الليلة بالكنيسة وطبخنا دجاجاً ولم نستطع أكلها إذ