السلطان عنده، وعندها يبيت أكثر لياليه ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها، وإلا فهي أبخل الخواتين. وحدثني من أعتمده من العارفين بأخبار هذه الملكة أن السلطان يحبها للخاصية التي فيها وهي أنه يجدها كل ليلة كأنها بكر. وذكر لي غيره أنها من سلالة المرأة التي يذكر أن الملك زال عن سليمان عليه السلام بسببها ولما عاد إليه ملكه أمر أن توضع بصحراء لا عمارة فيها فوضعت بصحراء قفجق. وان رحم هذه الخاتون شبه الحلقة خلقة وكذلك كل من هو من نسل المرأة المذكورة. ولم أر بصحراء قفجق ولا غيرها من أخبر أنه رأى امرأة على هذه الصورة ولا سمع بها إلا هذه الخاتون، اللهم إلا أن بعض أهل الصين أخبرني أن بالصين صنفاً من نسائها على هذه الصورة ولم يقع بيدي ذلك ولا عرفت له حقيقة. وفي غد اجتماعي بالسلطان دخلت إلى هذه الخاتون وهي قاعدة فيما بين عشر من النساء القواعد كأنهن خديمات لها وبين يديها نحو خمسون جارية صغاراً يسمون البنات وبين أيديهن طيافير الذهب والفضة مملوءة بحب الملوك١ وهن ينقينه وبين يدي الخاتون صينية ذهب مملوءة منه وهي تنقيه فسلمنا عليها. وكان في جملة أصحابي قاريء يقرأ القرآن على طبقة المصريين بطريقة حسنة وصوت طيب فقرأ ثم أمرت أن يؤتى بالقِمَزّ فأُتي به في أقداح خشب لطاف خفاف فأخذت القدح بيدها وناولتني إياه وتلك نهاية الكرامة عندهم ولم أكن شربت القمز قبلها ولكن لم يمكني إلى قبوله وذقته ولا خير فيه، ودفعته لأحد أصحابي وسألتني عن كثير من حال سفرنا، فأجبناها ثم انصرفنا عنها وكان ابتداؤنا بها لأجل عظمتها عند الملك.
أما الخاتون التي تلي الملكة فكان اسمها كبك خاتون "بفتح الكاف الأولى وكسر الباء الموحدة" ومعناها بالتركية النخالة، وهي بنت الأمير نَغَطَيْ "واسمه بنون وغين معجمة وطاء مهملة مفتوحات وياء مسكنة" وأبوها حي مبتلى بعلة النقرس، وقد رأيته في غد دخولنا على الملكة. دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ المصحف الكريم وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد ونحو عشرين من البنات يطرزون ثياباً فسلمنا عليها وأحسنت في السلام والكلام وقرأ قارئنا فاستحسنته، وأمرت بالقمز فأحضر وناولتني القدح