وأما الخاتون الثالثة فكان اسمها بَيَلُون "بياء موحدة وآخر الحروف كلاهما مفتوح ولام مضموم وواو مد ونون" وهي بنت ملك القسطنطينية العظمى السلطان تكفور ودخلنا على هذه الخاتون وهي قاعدة على سرير مرصع، قوائمه فضة وبين يديها نحو مائة جارية روميات وتركيات ونوبيات، منهن قائمات وقاعدات والفتيان على رأسها والحجاب بين يديها من رجال الروم فسألت عن حالنا ومقدمنا وبُعد أوطاننا، وبكت ومسحت وجهها بمنديل كان بين يديها رقة منها وشفقة وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها وهي تنظر إلينا. ولما أردنا الانصراف قالت: لا تنقطعوا علينا وترددوا إلينا وطالبونا بحوائجكم وأظهرت مكارم الأخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيدة وثلاثة من جياد الخيل وعشرة من سائرها ومع هذه الخاتون كان سفري إلى القسطنطينية العظمى كما نذكره بعد.
وكانت الخاتون الرابعة "أُرْدُجا "بضم الهمزة وإسكان الراء وضم الدال المهمل وجيم وألف" وأرد بلسانهم المحلة وسميت بذلك لولادتها في المحلة، وهي بنت الأمير الكبير عيسى بك أمير الأُلُوس "بضم الهمزة واللام" ومعناها أمير الأمراء وأدركته حيّاً وهو متزوج ببنت السلطان إيت كجك وهذه الخاتون من أفضل الخواتين وألطفهن شمائل وأشفقهن وهي التي بعثت إلي لما رأيت بيتي على التل عند جواز المحلة كما قدمناه، ودخلنا عليها فرأينا من حسن خلقها وكرم نفسها ما لا مزيد عليه، وأمرت بالطعام فأكلنا بين يديها، ودعت بالقِمِزّ فشرب أصحابنا وسألت عن حالنا فأجبناها. ودخلت أيضا إلى أختها زوجة الأمير علي بن أزرق.
وكانت للسلطان المعظم أوزبك ابنة اسمها إيت كجُك وإيت "بكسر الهمزة وياء مد وتاء مثناة وكجك بضم الكاف وضم الجيم" ومعنى اسمها الكلب الصغير، فإن إيت هو الكلب، وكجُك هو الصغير، وقد قدمنا أن الترك يسمون بالفال كما تفعل العرب، وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت الملك وهي في محلة منفردة على نحو ستة أميال من محلة والدها فأمرت بإحضار الفقهاء والقضاة والسيد الشريف ابن عبد الحميد وجماعة الطلبة والمشايخ