ولبس المسوح، وهي ثياب الشعر وقلد ولده الملك واشتغل بالعبادة حتى يموت، وهم يحتفلون في بناء هذه المانستارات ويعملونها بالرخام والفسيفساء وهي كثيرة بهذه المدينة. ودخلت مع الرومي الذي عينه الملك للركوب معي إلى مانستار يشقه نهر وفيه كنيسة فيها نحو خمسمائة بكر عليهن المسوح ورؤوسهن محلوقة فيها قلانيس اللبد، ولهن جمال فائق، وعليهن أثر العبادة. وقد قعد صبي على منبر يقرأ لهن الإنجيل بصوت لم أسمع قط أحسن منه وحوله ثمانية من الصبيان على منابر ومعهم قسيسهم فلما قرأ هذا الصبي قرأ صبي آخر وقال لي الرومي أن هؤلاء البنات من بنات الملوك وهبن أنفسهن لخدمة هذه الكنيسة وكذلك الصبيان القراء ولهم كنيسة أخرى خارج تلك الكنيسة ودخلت أيضاً إلى كنيسة في بستان فوجدنا بها نحو خمسمائة بكر أو أزيد وصبي يقرأ لهن على منبر وجماعة صبيان معه على منابر مثل الأولين فقال لي الرومي هؤلاء بنات الوزراء والأمراء يتعبدون بهذه الكنيسة ودخلت إلى كنائس فيها أبكار من وجوه أهل البلد وإلى كنائس فيها العجائز والقواعد من النساء وإلى كنائس فيها الرهبان يكون في الكنيسة منها مائة رجل أو أكثر أو أقل وأكثر هذه المدينة رهبان ومتعبدون وقسيسون وكنائسها لا تحصى كثرة وأهل المدينة من جندي وغيره صغير وكبير يجعلون على رؤوسهم المظلات الكبار شتاء وصيفاً والنساء لهن عمائم كبار.
وقد ولّى الملك المترهب جرجيس الملك لابنه وانقطع للعبادة وبنى مانستاراً كما ذكرناه خارج المدينة على ساحلها وكنت يوماً مع الرومي المعين للركوب معي فإذا بهذا الملك ماش على قدميه وعليه المسوح وعلى رأسه قلنسوة لبد وله لحية بيضاء طويلة ووجهه حسن عليه أثر العبادة وخلفه وأمامه جماعة من الرهبان وبيده عكاز وفي عنقه سبحة فلما رآه الرومي نزل وقال لي انزل فهذا والد الملك فلما سلم عليه الرومي سأله عني ثم وقف وبعث لي فجئت إليه فأخذ بيدي وقال لذلك الرومي وكان يعرف اللسان العربي قل لهذا السراكانوا يعني المسلم أنا أصافح اليد التي دخلت بيت المقدس والرجل التي مشت داخل الصخرة والكنيسة العظمى التي تسمى قمامة وبيت لحم وجعل يده على قدمي ومسح بها وجهه فعجبت من اعتقادهم فيمن دخل تلك المواضع من غير ملتهم، ثم أخذ بيدي ومشيت معه فسألني عن بيت المقدس ومن فيه من