النصارى، وأطال السؤال ودخلت معه إلى حرم الكنيسة الذي وصفناه آنفاً ولما قارب الباب الأعظم خرجت جماعة من القسيسين والرهبان للسلام عليه وهو من كبارهم في الرهبانية ولما رآهم أرسل يدي فقلت له أريد الدخول معك إلى الكنيسة فقال للترجمان قل له لا بد لداخلها من السجود للصليب الأعظم فإن هذا مما سنته الأوائل ولا يمكن خلافه فتركته ودخل وحده ولم أراه بعدها.
ولما فارقت الملك المترهب المذكور دخلت سوق الكتاب فرآني القاضي فبعث إلي أحد أعوانه فسأل الرومي الذي معي فقال له إنه من طلبة المسلمين فلما عاد إليه أخبره بذلك فبعث إلى أحد أعوانه وهم يسمون القاضي النجشي كفالي فقال لي النجشي كفالي يدعوك فصعدت إلى القبة التي تقدم ذكرها فرأيت شيخاً حسن الوجه واللمة عليه لباس الرهبان وهو الملف الأسود وبين يديه نحو عشرة من الكتاب يكتبون فقام إلي وقام أصحابه وقال أنت ضيف الملك ويجب علينا إكرامك وسألني عن بيت المقدس والشام ومصر وأطال الكلام وكثر عليه الازدحام وقال لي لا بد لك أن تأتي إلى داري فأضيفك فانصرفت عنه ولم ألقه بعد.
ولما ظهر لمن كان في صحبة الخاتون من الأتراك أنها على دين أبيها وراغبة في المقام معه طلبوا منها الإذن في العودة إلى بلادهم فأذنت لهم وأعطتهم عطاءً جزيلاً وبعثت معهم من يوصلهم إلى بلادهم أمير يسمى ساروجة الصغير في خمسمائة فارس وبعثت إلي فأعطتني ثلاثمائة دينار من ذهبهم يسمونه البربرة وليس بالطيب، وألفي درهم بندقية وشقة ملف من عمل البنات وهو أجود أنواعه وعشرة أثواب من حرير وكتان وصوف وفرسين وذلك من عطاء أبيها وأوصت بي ساروجة وودعتها وانصرفت وكانت مدة مقامي عندهم شهراً وستة أيام. وسافرنا صحبة ساروجة فكان يكرمني حتى وصلنا إلى آخر بلادهم حيث تركنا أصحابنا وعرباتنا فركبنا العربات ودخلنا البرية ووصل ساروجة معنا إلى مدينة بابا سلطوق وأقام بها ثلاثاً في الضيافة وانصرف إلى بلاده وذلك في اشتداد البرد وكنت ألبس ثلاث فروات وسروالين أحدهما مبطن وفي رجلي خف من صوف وفوقه خف مبطن بثوب كتان من البرغالي وهو من جلد الفرس مبطن بجلد ذئب وكنت أتوضأ بالماء