للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحار بمقربة من النار فما تقطر من الماء قطرة إلا جمدت لحينها وإذا غسلت وجهي بالماء إلى لحيتي فيجمد فأحركها فيسقط منها شبه الثلج، والماء الذي ينزل من الأنف يجمد على الشارب وكنت لا أستطيع الركوب لكثرة ما علي من ثياب حتى يركبني أصحابي.

ثم وصلت إلى مدينة الحاج ترخان حيث فارقنا السلطان أوزبك فوجدناه قد رحل واستقر بحضرة ملكه فسافرنا على أتل وما يليه من المياه ثلاثاً وهي جامدة وكنا إذا احتجنا الماء قطعنا قطعا من الجليد وجعلناه في القدرة حتى يصير ماء فنشرب منه ونطبخ به. ووصلنا إلى مدينة السَرَا "وضبط اسمها بسين مهمل وراء مفتوحة وألف"، وتعرف بسرا بركة وهي حضرة السلطان أوزبك ودخلنا على السلطان فسألنا عن كيفية سفرنا وعن ملك الروم ومدينته فأعلمناه. وأمره بإجراء النفقة علينا وأنزلنا.

ومدينة السرا، من أحسن المدن، متناهية الكبر، في بسيط من الأرض، تغص بأهلها كثرة، حسنة الأسواق متسعة الشوارع.

وركبنا يوماً مع بعض كبرائها، وغرضنا التطوف عليها ومعرفة مقدارها، وكان منزلنا في طرف منها فركبنا منه غدوة فما وصلنا لآخرها إلا بعد الزوال فصلينا الظهر وأكلنا طعامنا فما وصلنا إلى المنزل إلا عند المغرب ومشينا يوماً في عرضها ذاهبين راجعين في نصف يوم وذلك في عمارة متصلة الدور لا خراب فيها ولا بساتين وفيها ثلاثة عشر مسجداً لإقامة الجمعة أحدها للشافعية وأما المساجد سوى ذلك فكثيرة جداً وفيها طوائف من الناس منهم المغل وهم أهل البلاد والسلاطين وبعضهم مسلمون ومنهم الآص وهم مسلمون ومنهم القفجق والجركس والروس والروم وهم نصارى وكل طائفة تسكن محلة على حدة فيها أسواقها والتجار والغرباء من أهل العراقيين ومصر والشام وغيرها ساكنون بمحلة عليها سور احتياطاً على أموال التجارة.

وقصر السلطان بها يسمى أَلْطُون طَاْش "بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الطاء المهمل وواو مد ونون" ومعناه الذهب وطاش "بفتح الطاء المهمل وشين معجم" معناه حجر وقاضي هذه الحضرة بدر الدين الأعرج من خيار القضاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>