للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبها من مدرسي الشافعية الفقيه الإمام الفاضل صدر الدين سليمان اللكزي أحد الفضلاء، وبها من المالكية شمس الدين المصري وهو ممن يطعن في ديانته، وبها زاوية الصالح الحاج نظام الدين أضافنا بها وأكرمنا، وبها زاوية الفقيه الإمام العالم نعمان الدين الخوارزمي رأيته بها وهو من فضلاء المشايخ حسن الأخلاق كريم النفع شديد التواضع شديد السطو على أهل الدنيا يأتي إليه السلطان أوزبك زائراً في كل جمعة فلا يستقبله ولا يقوم إليه ويقعد السلطان بين يديه ويكلّمه ألطف كلام ويتواضع له، والشيخ بضد ذلك وفعله مع الفقراء والمساكين والواردين خلاف فعله مع السلطان فإنه يتواضع لهم ويكلّمهم بألطف كلام ويكرمهم وأكرمني جزاه الله خيراً، وبعث إلي بغلام تركي وشاهدت له بركة.

كنت أردت السفر من السرا إلى خوارزم فنهاني عن ذلك، وقال لي: أقم أياماً وحينئذ تسافر فنازعتني النفس ووجدت رفقة كبيرة آخذة في السفر فيهم تجار أعرفهم فاتفقت معهم على السفر في صحبتهم وذكرت له ذلك فقال لي لا بد لك من الإقامة فعزمت على السفر فأبق لي الغلام أقمت بسببه وهذا من الكرامات الظاهرة.

ولما كان بعد ثلاث وجد بعض أصحابي ذلك الغلام الآبق بمدينة الحاج ترخان فجاء به إليه فحينئذ سافرت إلى خوارزم وبينها وبين حضرة السرا صحراء مسيرة أربعين يوماً لا تسافر فيها الخيل لقلة الكلأ وإنما تجر العربات بها الجمال فسرنا من السرا عشرة أيام فوصلنا إلى مدينة سَرَاجُوق "بضم الجيم المعقود وواو وقاف"، ومعنى جوق صغير. فكأنهم قالوا سرا الصغيرة وهي على شاطيء نهر كبير زخار يقال له أُلُوصُو "بضم الجيم المعقود وواو وقاف" ومعناه الماء الكبير، وعليه جسر من قوارب كجسر بغداد وإلى هذه المدينة انتهى سفرنا بالخيل التي تجر العربات وبعناها بحساب أربع دنانير دراهم للفرس وأقل من ذلك لأجل ضعفها ورخصها بهذه المدينة واكترينا الجمال لجر العربات. وبهذه المدينة زاوية لرجل صالح معمر من الترك ويقال له أَطَا "بفتح الهمزة والطاء المهمل" ومعناه الوالد أضافنا بها ودعا لنا. وأضافنا أيضاً قاضيها ولا أعرف اسمه، ثم سرنا منها ثلاثين يوماً سيراً جاداً لا ننزل إلا ساعتين: إحداهما عند الضحى، والأخرى عند المغرب، وتكون الإقامة

<<  <  ج: ص:  >  >>