للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدر ما يطبخون الدوقي ويشربونه، وهو يطبخ من غلية واحدة، ويكون معهم الخليع من اللحم يجعلونه عليه ويصبون عليه اللبن وكل إنسان إنما ينام أو يأكل في عربته حال السير. وكان لي في عربتي ثلاث من الجواري. ومن عادة المسافرين في هذه البرية الإسراع لقلة أعشابها والجمال التي تقطعها يهلك معظمها وما يبقى منها لا ينتفع به إلا في سنة أخرى بعد أن يسمن والماء في هذه البرية في مناهل معلومة بعد اليومين والثلاثة وهو ماء المطر والحسيان. ثم لما سلكنا هذه البرية وقطعناها كما ذكرناه ووصلنا إلى خوارزم وهي أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها لها الأسواق المليحة والشوارع الفسيحة والعمارة الكثيرة والمحاسن الأثيرة وهي ترتج بسكانها لكثرتهم وتموج بهم موج البحر ولقد ركبت بها يوماً ودخلت السوق فلما توسطته وبلغت منتهى الزحام في موضع يقال له الشَّهَوْر "بفتح الشين المعجم وإسكان الواو" لم أستطع أن أجوز ذلك الموضع لكثرة الإزدحام وأردت الرجوع فما أمكنني لكثرة الناس فبقيت متحيراً وبعد جهد شديدٍ رجعت. وذكر لي بعض الناس أن تلك السوق يخف زحامها يوم الجمعة وتوجهت إلى المسجد الجامع والمدرسة. وهذه المدينة تحت إمرة السلطان أوزبك وله فيها أمير كبير يدعى قطلودمور وهو الذي عمر هذه المدرسة وما معها من المواضع المضافة، أما الجامع فعمرته زوجته الخاتون الصالحة تُرَابَك "بضم التاء المعلوة بفتح الراء وألف" وبك "بفتح الموحدة والكاف"، وبخوارزم مارستان له طبيب شامي يعرف بالصهيوني نسبة إلى صهيون من بلاد الشام. ولم أر في بلاد الدنيا أحسن أخلاقاً من أهل خوارزم ولا أكرم نفوساً ولا أحب في الغرباء ولهم عادة جميلة في الصلاة لم أرها لغيرهم وهي أن المؤذنين بمساجدها يطوف كل واحد منهم على دور جيران مسجده معلماً لهم بحضور الصلاة فمن لم يحضر الصلاة مع الجماعة ضربه الإمام بمحضر الجماعة وفي كل جامع درة معلقة برسم ذلك ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح الجامع أو تطعم للفقراء والمساكين ويذكرون أن هذه العادة عندهم مستمرة على قديم الزمان. وبخارخ خوارزم نهر جيحون أحد الأنهار الأربعة من الجنة وهو يجمد في أوان البرد كما يجمد نهر أتل. ويسلك الناس عليه وتبقى مدة جموده خمسة أشهر وربما سلكوا عليه عند أخذه في الذوبان فهلكوا. ويسافر فيه أيام الصيف بالمراكب إلى ترمذ، ويجلبون منها القمح والشعير وهي مسيرة عشر للمنحدر. وبخارج خوارزم زاوية مبنية

<<  <  ج: ص:  >  >>