قراضاً١ فلقيه ذلك التاجر بمدينة حماة من أرض الشام فطلبه بالمال وكان قد باع ما اشترى به من المتاع بالدين فاستحيا من صاحب المال ودخل إلى بيته وربط عمامته بسقف البيت وأراد أن يخنق نفسه وكان في أجله تأخير فتذكر صاحباً له من الصيارفة فقصده وذكر له القضية فسلفه مالاً دفعه للتاجر. ولما أردت السفر من خوارزم اكتريت جمالا واشتريت محارة وكان عديلي بها عفيف الدين التورزي وركب الخدام بعض الخيل وجللنا باقيها لأجل البرد ودخلنا البرية التي بين خوارزم وبخارى وهي مسيرة ثمانية عشر يوماً في رمال لا عمارة بها إلا بلدة واحدة فودعت الأمير قطلودمور وخلع علي خلعة وخلع على القاضي أخرى وخرج مع الفقهاء لوداعي، وسرنا أربع أيام ووصلنا إلى مدينة ألْكَات وليس بهذه الطريق عمارة سواها، "وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الكاف، وآخره تاء مثناة" وهي صغيرة حسنة نزلنا خارجها على بركة ماء قد جمدت من البرد فكان الصبيان يلعبون فوقها ويزلقون عليها. وسمع بقدومي قاضي ألكات ويسمى صدر الشريعة وكنت قد لقيته بدار قاضي خوارزم فجاء إلي مسلماً مع الطلبة وشيخ المدينة الصالح العابد محمود الخيوفي ثم عرض علي القاضي الوصول إلى أمير تلك المدينة فقال له الشيخ محمود القادم: ينبغي له أن يزار وإن كانت لنا همة نذهب إلى أمير المدينة ونأتي به ففعلوا ذلك. وأتى الأمير بعد ساعة في أصحابه وخدامه فسلمنا عليه وكان غرضنا تعجيل السفر فطلب منا الإقامة وصنع دعوة جمع لها الفقهاء ووجوه العساكر وسواهم ووقف الشعراء يمدحونه وأعطاني كسوة وفرساً جيداً. وسرنا على الطريق المعروفة بسيباية في تلك الصحراء مسيرة ست أيام دون ماء.
ووصلنا بعد ذلك إلى بلدة وَبْكَنة "وضبط اسمها بفتح الواو وإسكان الباء الموحدة، وكاف ونون". وهي على مسيرة يوم واحد من بخارى بلدة حسنة ذات أنهار وبساتين وهم يدخرون العنب من سنة إلى سنة وعندهم فاكهة يسمونها "الآلو" بالعين المهملة وتشديد اللام، فييبسونه ويجلبه الناس إلى الهند
١ أي: مضاربة، وهي أن يأخذ المال ليعمل فيه على نسبة من الربح متفق عليها أن كان ربح، فإن كات خسارة خسر صاحب المال ماله، وخسر المضارب عمله.