فعاد إلى أطرار فأخبر عاملهم بأمرهم وأعلمه أن لا طاقة لأحد بقتالهم فاستمد مليكه جلال الدين فمده بستين ألفاً زيادة على ما كان عنده من العساكر فلما وقع القتال هزمهم تنكيز ودخل مدينة أطرار بالسيف فقتل الرجال وسبى الذراري وأتى جلال الدين بنفسه لمحاربته فكانت بينهم وقائع لا يعلم في الإسلام مثلها وآل الأمر إلى أن تملك تنكيز ما وراء النهر وخرب بخارى وسمرقند وترمذ وعبر النهر وهو نهر جيحون إلى مدينة بلخ فتملكها ثم إلى الياميان "الباميان" فتملكها وأوغل في بلاد خراسان وعراق العجم فثار عليه المسلمون في بلخ وفي ما وراء النهر فكر عليهم ودخل بلخ بالسيف وتركها خاوية على عروشها.
ثم فعل مثل ذلك في ترمذ فخربت ولم تعمر بعد لكن بنيت مدينة على ميلين منها هي التي تسمى اليوم ترمذ وقتل أهل الياميان "الباميان" وهدمها بأسرها إلا صومعة جامعة وعفا عن أهل بخارى وسمرقند ثم عاد بعد ذلك إلى العراق وانتهى أمر التتر حتى دخلوا حضرة الإسلام ودار الخلافة بغداد بالسيف وذبحوا الخليفة المستعصم بالله العباسي رحمه الله.
قال ابن جزي: أخبرنا شيخنا قاضي القضاة أبو البركات ابن الحاج أعزّه الله قال: سمعت الخطيب أبا عبد الله بن رشيد يقول: لقيت بمكة نور الدين بن الزجاج من علماء العراق، ومعه ابن أخ له، فتفاوضنا الحديث، فقال لي: هلك في فتنة التتر بالعراق أربعة وعشرون ألف رجل من أهل العلم، ولم يبق منهم غيري وغير ذلك، وأشار إلى ابن أخيه.
قال: ونزلنا من بخارى بربضها المعروف بفتح أباد حيث قبر الشيخ العالم العابد الزاهد سيف الدين الباخرزي وكان من كبار الأولياء وهذه الزاوية المنسوبة لهذا الشيخ حيث نزلنا عظيمة لها أوقاف ضخمة يطعم منها الوارد والصادر، شيخها من ذريته وهو الحاج السياح يحيى الباخرزي وأضافني هذا الشيخ بداره وجمع وجوه أهل المدينة وقرأ القراء بالأصوات الحسان ووعظ الواعظ وغنوا بالتركي والفارسي على طريقة حسنة. ومرت لنا هنالك ليلة بديعة من أعجب الليالي، ولقيت بها الفقيه العالم الفاضل صدر الشريعة، وكان قد قدم من هراة وهو من الصلحاء الفضلاء. وزرت ببخارى قبر الإمام العالم أبي عبد الله البخاري مصنف الجامع الصحيح شيخ المسلمين رضي الله عنه، وعليه