وكان هذا الشيخ من عباد الله الصالحين وكنت كثيراً ما أرى عليه قباء قطن مبطن بالقطن محشو به وقد بلي وتمزق وعلى رأسه قلنسوة لبد يساوي مثلها قيراطاً ولا عمامة عليه فقلت له في بعض الأيام يا سيدي ما هذا القباء الذي أنت لابسه إنه ليس بجيد فقال لي يا ولدي ليس هذا القباء لي وإنما هو لابنتي فرغبت منه أن يأخذ بعض يثابي فقال لي عاهدت الله منذ خمسين سنة أن لا أقبل من أحد شيئا ولو كنت أقبل من أحد لقبلت منك. ولما عزمت على السفر بعد مقامي عند هذا السلطان أربعة وخمسين يوماً أعطاني السلطان سبعمائة دينار دراهم وفروة سمور تساوي مائة دينار طلبتها منه لأجل البرد ولما ذكرتها له أخذ أكمامي وجعل يقلبهما بيده تواضعاً منه وفضلاً وحسن خلق وأعطاني فرسين وجملين. ولما أردت وداعه أدركته في أثناء طريقه إلى متصيده وكان اليوم شديد البرد جدّاً فوالله ما قدرت على أن أنطق بكلمة لشدة البرد ففهم ذلك وضحك وأعطاني يده وانصرفت. وبعد سنتين من وصولي إلى أرض الهند بلغنا الخبر بأن الملأ من قومه وأمرائه اجتمعوا بأقصى بلاده المجاورة للصين وهنالك معظم عساكره وبايعو ابن عم له اسمه بُوزُن أُغْلِي وكل من كان من أبناء الملوك فهم يسمونه أُغلي "بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر اللام" وَبُوزُن "بضم الياء الموحدة وضم الزاي" وكان مسلماً إلا أنه فاسد الدين سيء السيرة وسبب بيعتهم له وخلعهم لطرمشيرين أن طرمشيرين خالف أحكام جده تنكيز اللعين الذي خرب بلاد الإسلام، وقد تقدم ذكره. وكان تنكيز ألّف كتاباً في أحكامه يسمى عندهم اليساق "بفتح الياء آخر الحروف والسين المهمل وآخره قاف"، وعندهم أنه من خالف أحكام هذا الكتاب فخلعه واجب ومن جملة أحكامه أنهم يجتمعون يوماً في السنة يسمونه الطوى ومعناه يوم الضيافة ويأتي أولاد تنكيز والأمراء من أطراف البلاد ويحضر الخواتين وكبار الأجناد وإن كان سلطانهم قد غيّر شيئا من تلك الأحكام يقوم إليه كبراؤهم فيقولون له غيّرت كذا وغيّرت كذا وفعلت كذا وقد وجب خلعك ويأخذون بيده ويقيمونه عن سرير الملك ويقعدون غيره من أبناء تنكيز وإن كان أحد الأمراء الكبار أذنب ذنباً في بلاده حكموا عليه بما يستحقه. وكان السلطان طرمشيرين قد أبطل حكم هذا اليوم ومحا رسمه فأنكروه عليه أشد الإنكار وأنكروا عليه أيضاً كونه أقام أربع سنين فيما يلي خراسان من بلاده ولم يصل إلى الجهة التي توالي الصين. والعادة أن الملك يقصد تلك الجهة في