المزركش بالذهب وداخل الخرقة ملبس بثياب الحرير المذهب والتاج المرصع بالجوهر والياقوت معلق فوق رأس السلطان بينه وبين رأسه قدر ذراع. والأمراء الكبار على الكراسي عن يمينه ويساره وأولاده الملوك بأيديهم المذاب بين يديه وعند باب الخرقة النائب والوزير والحاجب وصاحب العلامة وهم يسمون آل طَمْغَى وآل "بفتح الهمزة" معناه الأحمر، وطَمْغَى "بفتح الطاء المهمل وسكون الميم والغين المعجم المفتوح" معناه العلامة. وقام إلي أربعتهم حين دخولي ودخلوا معي فسلمت عليه وسألني وصاحب العلامة يترجم بيني وبينه عن مكة والمدينة والقدس شرفها الله وعن مدينة الخليل عليه السلام وعن دمشق ومصر والملك الناصر وعن العراقين وملكها وبلاد الأعاجم. ثم أذن المؤذن بالظهر فانصرفنا وكنا نحضر معه الصلوات وذلك أيام البرد الشديد المهلك فكان لا يترك صلاة الصبح والعشاء في الجماعة ويقعد للذكر بالتركية بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ويأتي إليه كل من في المسجد فيصافحه ويشد بيده على يده وكذلك يفعلون في صلاة العصر وكان إذا أوتي بهدية من زبيب أو تمر والتمر عزيز عندهم يتبركون به يعطي منها بيده لكل من في المسجد.
ومن فضائل هذا الملك أنه حضرت صلاة العصر يوماً، ولم يحضر السلطان. فجاء أحد فتيانه بسجادة ووضعها قبالة المحراب حيث جرت عادته أن يصلي وقال للإمام حسام الدين الياغي أن مولانا يريد أن تنتظر قليلاً ريثما يتوضأ، فقام الإمام المذكور وقال: نماز، ومعناه الصلاة براي حد أو براي طرمشيرين، أي الصلاة لله أو لطرمشيرين. ثم أمر المؤذن بإقامة الصلاة وقد جاء السلطان وقد صلى منها ركعتان فصلى الركعتين الأخيرتين حيث انتهى به القيام وذلك في المواضع الذي تكون فيه أنعلة الناس عند باب المسجد وقضى ما فاته وقام إلى الإمام ليصافحه وهو يضحك وجلس قبالة للمحراب. والشيخ الإمام إلى جانبه وأنا إلى جانب الإمام فقال لي إذا مشيت إلى بلادك فحدّث أن فقيراً من فقراء الأعاجم يفعل هكذا مع سلطان الترك. وكان هذا الشيخ يعظ الناس في كل جمعة ويأمر السلطان بالمعروف وينهاه عن المنكر وعن الظلم ويغلظ عليه القول والسلطان ينصت لكلامه ويبكي. وكان لا يقبل من عطاء السلطان شيئاً ولم يأكل قط من طعامه ولا لبس من ثيابه.