بأيديهم خشب كبار، وأهل الأطبال والأبواق وقوف ينتظرون مجيء المرأة وقد حجبت النار بملحفه يمسكها الرجال بأيديهم لئلا يدهشها النظر إليها فرأيت إحداهن لما وصلت إلى تلك الملحفة نزعتها من أيدي الرجال بعنف وقالت لهم: مار ميترساني ازاطش "آنش" من ميدانم أواطش است رهاكني مارا، وهي تضحك. ومعنى هذا الكلام أبالنار تخوفونني؟ أنا أعلم أنها نار محرقة ثم جمعت يديها على رأسها خدمة للنار ورمت بنفسها فيها، وعند ذلك ضربت الأطبال والأنفار والأبواق ورمى الرجال ما بأيديهم من الحطب عليها وجعل الآخرون تلك الخشب من فوقها لئلا تتحرك وارتفعت الأصوات وكثر الضجيج ولما رأيت ذلك كدت أسقط عن فرسي لولا أن أصحابي تداركوني بالماء فغسلوا وجهي وانصرفت وكذلك يفعل أهل الهند أيضاً في الغرق يغرق كثير منهم أنفسهم في نهر الكنك وهو الذي إليه يحجون وفيه يرمى برماد هؤلاء المحرقين وهم يقولون أنه من الجنة وإذا أتى أحدهم ليغرق نفسه يقول لمن حضره لا تظنوا أني أغرق نفسي لأجل شيء من أمور الدنيا أو لقلة مال إنما قصدي التقرب إلى كُساى. وكُساى "بضم الكاف والسين المهمل" اسم الله عز وجل بلسانهم ثم يغرق نفسه. فإذا مات أخرجوه وأحرقوه ورمو برماده في البحر المذكور.
ولنعد إلى كلامنا الأول، فنقول: سافرنا من مدينة أجودهن فوصلنا بعد مسيرة أربعة ايام منها إلى مدينة سَرْسَتي "وضبط اسمها بسينين مفتوحين بينهما راء ساكنة ثم تاء مثناة مكسورة وياء" مدينة كبيرة كثيرة الأرز وأرزها طيب ومنها يحمل إلى حضرة دهلي ولها مجبى كثير جداً أخبرني الحاجب شمس الدين البوشنجي بمقداره وأنسيته. ثم سافرنا منها إلى مدينة حَانْسي "وضبط اسمها بفتح الحاء المهملة وألف ونون ساكن وسين مهمل مكسور وياء"، وهي من أحسن المدن وأتقنها وأكثرها عمارة. ولها سور عظيم ذكروا أن بانيه رجل من كبار سلاطين الكفار يسمى توره وله عندهم حكايات وأخبار. ومن هذه المدينة كمال الدين صدر الجهان قاضي قضاة الهند وأخوه قطلوخان معلم السلطان وأخواهما نظام الدين وشمس الدين الذي انقطع إلى الله وجاور بمكة حتى مات. ثم سافرنا من حانسي فوصلنا بعد يومين إلى مسعود أباد وهي على عشرة أميال من حضرة دهلي وأقمنا بها ثلاثة أيام. وحانسي