للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان السلطان في سني القحط قد أمر بحفر آبار خارج دار الملك وأن يزرع هنالك زرع وأعطى الناس البذر وما يلزم على الزراعة من النفقة وكلفهم زرع ذلك للمخزن فبلغ ذلك الفقيه عفيف الدين الكاساني فقال هذا الزرع لا يحصل المراد منه فوشي به السلطان فسجنه وقال له لأي شيء تدخل نفسك في أمور الملك ثم أنه سرحه بعد مدة فذهب إلى داره ولقيه في طريقه إليها صاحبان له من الفقهاء فقالا له: الحمد لله على خلاصك، فقال الفقيه: الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وتفرقوا فلم يصلوا إلى دورهم حتى بلغ ذلك السلطان، فأمر بهم فأحضر ثلاثتهم بين يديه فقال: اذهبوا بهذا يعني عفيف الدين فاضربوا عنقه حمائل، وهو أن يقطع الرأس مع الذراع وبعض الصدر، واضربوا أعناق الآخرين. فقالا له: أما هو فيستحق العقاب بقوله وأما نحن فبأي جريمة تقتلنا. فقال لهما: إنكما سمعتما كلامه فلم تنكراه فكأنكما وافقتما عليه فقتلوا جميعاً رحمهم الله تعالى.

وكان قد أمر فقيهين سنديين كانا في خدمته أن يمضيا مع أمير عينه إلى بعض البلاد، وقال لهما: إنما سلمت أحوال البلاد والرعية لكما ويكون هذا الأمير معكما يتصرف بما تأمرانه به، فقالا له: إنما نكون كالشاهدين عليه، ونبين له وجه الحق ليتبعه، فقال لهما: إنما قصدكما أن تأكلا أموالي وتضيعاها وتنسبا ذلك إلى هذا التركي الذي لا معرفة له، فقالا له: حاشا لله يا خوند عالم ما قصدنا هذا، فقال لهما: لم تقصدا غير هذا اذهبوا بهما إلى الشيخ زاده النهاوندي، وهو الموكل بالعذاب، فذهب بهما إليه، فقال لهما: السلطان يريد قتلكما، فأقرا بما قوّلكما إياه ولا تعذبا أنفسكما. فقالا: والله ما قصدنا إلا ما ذكرنا، فقال لزبانيته ذوقوهما بعض شيء يعني من العذاب فبطحا على أقفائهما وجعل على صدر كل واحد منهما صفيحة حديد محماة ثم قلعت بعد هنيهة فذهبت بلحم صدورهما ثم أخذ البول والرماد فجعل على تلك الجراحات، فأقرا على أنفسهما أنهما لم يقصدا إلا ما قاله السلطان وأنهما مجرمان مستحقان للقتل فلا حق لهما ولا دعوى في دمائهما دنيا ولا أخرى وكتبا خطهما بذلك واعترفا به عند القاضي فسجل على العقد وكتب فيه أن اعترافهما كان من غير إكراه ولا إجبار، ولو قالا أكرهنا لعذبا أشد العذاب ورأيا أن تعجيل ضرب العنق خير لهما من الموت بالعذاب الأليم فقتلاَ رحمهما

<<  <  ج: ص:  >  >>