للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصر المعروف بسرك دوار، معناه شبه الجنة، وأمر الناس بالبناء هنالك طلب منه الشيخ شهاب الدين أن يأذن له في الإقامة بالحضرة فأذن له إلى أرض موات على مسافة ستة أميال من دهلي فحفر بها كهفاً كبيراً صنع في جوفه البيوت والمخازن والغرف والحمام وجلب الماء من نهر جون، وعمر تلك الأرض وجمع مالاً كثيراً من مستغلها لأنها كانت السنون قاحطة، وأقام هنالك عامين ونصف عام مدة مغيب السلطان وكان عبيده يخدمون تلك الأرض نهاراً ويدخلون الغار ليلاً ويسدونه على أنفسهم وأنعامهم خوف سراق الكفار لأنهم في جبل منيع هنالك، ولما عاد السلطان إلى حضرته استقبله الشيخ ولقيه على سبعة أميال منها فعظمه السلطان وعانقه عند لقائه وعاد إلى غاره، ثم بعث عنه بعد أيام فامتنع من إتيانه فبعث إليه مخلص الملك النذرباري، وكان من كبراء الملوك فتلطف له في القول وحذره بطش السلطان، فقال له: لا أخدم ظالماً أبداً، فعاد مخلص الملك إلى السلطان فأخبره بذلك فأمر أن يأتي به فأتي به، فقال له: أنت القائل إني ظالم، فقال: نعم أنت ظالم، ومن ظلمك كذا وكذا، وعدّد أموراً، منها: تخريبه لمدينة دهلي وإخراجه أهلها فأخذ السلطان سيفه ودفعه لصدر الجهان وقال: يثبت هذا أني ظالم، واقطع عنقي بهذا السيف، فقال له شهاب الدين: ومن يريد أن يشهد بذلك فيقتل، ولكن أنت تعرف ظلم نفسك وأمر بتسليمه لملك نكبيه، رأس الدويدارية، فقيده بأربعة قيود وغل يديه وأقام كذلك أربعة عشر يوماً مواصلاً لا يأكل ولا يشرب، وفي كل يوم منها يؤتى به إلى المشور ويجمع الفقهاء والمشايخ ويقولون له ارجع عن قولك، فيقول: لا أرجع عنه وأريد أن أكون في زمرة الشهداء. فلما كان اليوم الرابع عشر بعث إليه السلطان بطعام مع مخلص الملك، فأبى أن يأكل، وقال: قد رفع رزقي من الأرض ارجع بطعامك إليه، فلما أخبر بذلك السلطان أمر عند ذلك أن يطعم الشيخ خمسة أستار "أساتير" من العذرة وهي رطلان ونصف من أرطال المغرب فأخذ ذلك الموكلون بمثل هذه الأمور وهم طائفة من كفار الهنود فمدوه على ظهره وفتحوا فمه بالكلبتين وحلوا العذرة بالماء وسقوه ذلك. وفي اليوم الذي بعده أتي به إلى دار القاضي صدر الجهان وجمع الفقهاء والمشايخ ووجوه الأعزة فوعظوه، وطلبوا منه أن يرجع عن قوله، فأبى ذلك. فضربت عنقه رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>