وبين الموضع الذي كان فيه ثلاثة أيام فرحل أول مرحلة وقد عبأ جيشه للحرب وجعلهم صفا واحداً عند نزولهم كل واحد منهم بين يديه سلاحه وفرسه إلى جانبه ومعه خباء صغير يأكل به ويتوضأ ويعود إلى مجلسه والمحلة الكبرى على بعد منهم ولم يدخل السلطان في تلك الأيام الثلاثة خباء ولا استظل بظل. وكنت في يوم منها بخبائي فصاح بي فتى من فتياني اسمه سنبل واستعجلني وكان معي الجواري فخرجن إليه فقال إن السلطان أمر الساعة أن يقتل كل من معه امرأته أو جاريته فشفع عنده الأمراء فأمر أن لا تبقى الساعة بالمحلة امرأة وأن يحملن إلى حصن هنالك على ثلاثة أميال يقال له كنبيل. فلم تبق امرأة بالمحلة ولا مع السلطان. وبتنا تلك الليلة على تعبئة فلما كان اليوم الثاني رتب السلطان عسكره أفواجاً وجعل مع كل فوج الفيلة المدرعة عليها الأبراج فوقها المقاتلة وتدرع العسكر وتهيئوا للحرب وباتوا تلك الليلة على أهبة ولما كان اليوم الثالث بلغ الخبر بأنّ عين الملك الثائر أجاز النهر فخاف السلطان من ذلك وتوقع أنه لم يفعله إلا بعد مراسلة الأمراء الباقين مع السلطان فأمر في الحين بقسم الخيل العتاق على خواصه وبعث إلي حظاً منها وكان لي صاحب يسمى أمير أميران الكرماني من الشجعان فأعطيته فرساً منها أشهب اللون فلما حرّكه جمح به فلم يستطع إمساكه ورماه عن ظهره فمات رحمه الله تعالى. وجد السلطان ذلك اليوم في مسيره فوصل بعد العصر إلى مدينة قنوج وكان يخاف أن يسبقه القائم إليها وبات ليلته تلك يرتّب الناس بنفسه. ووقف علينا ونحن في المقدمة مع ابن عمه ملك فيروز ومعنا الأمير غدا بن مهنا والسيد ناصر الدين مطهر وأمراء خراسان فأضافنا إلى خواصه. وقال: أنتم أعزة عليّ ما ينبغي أن تفارقوني وكان في عاقبة ذلك الخير فإن القائم ضرب في آخر الليل على المقدمة وفيها الوزير خواجة جهان فقامت ضجة في الناس كبيرة فحينئذ أمر السلطان أن لا يبرح أحد عن مكانه ولا يقاتل الناس إلا بالسيوف فاستل العسكر سيوفهم ونهضوا إلى أصحابهم وحمي القتال وأمر الناس أن يكون شعار جيشه دهلي وغزنة فإذا لقي أحدهم فارساً قال له دهلي فإن أجابه بغزنة علم أنه من أصحابه وإلا قاتله. وكان القائم إنما قصد أن يضرب على موضع السلطان فاخطأ به الدليل فقصد موضع الوزير فضرب عنق الدليل. وكان في عسكر الوزير الأعاجم والترك والخراسانيون، وهم أعداء الهنود فصدقوا القتال. وكان جيش القائم