للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينفع مولانا أيده الله بمقاصده الشريفة، ويكافئ فضائله المنيفة، ويديم للإسلام والمسلمين أيامه وينصر ألويته المظفرة وأعلامه.

ولنعد إلى ذكر الرحلة فنقول: ولما حصلت لي مشاهدة هذا المقام الكريم، وعمني فضل إحسانه العميم قصدت زيارة قبر الوالدة. فوصلت إلى بلدة طنجة وزرتها، وتوجهت إلى مدينة سبته فأقمت بها أشهراً، وأصابني المرض ثلاثة أشهر، ثم عافاني الله فأردت أن يكون لي حظ من الجهاد والرباط، فركبت البحر من سبتة في شطي لأهل أصيلا، فوصلت إلى بلاد الأندلس حرسها الله تعالى، حيث الأجر موفور للساكن، والثواب مذخور للمقيم والظاعن. وكان ذلك إثر موت طاغية الروم ألفونس، وحصاره الجبل عشرة أشهر، وظنه أنه يستولي على ما بقي من بلاد الأندلس للمسلمين. فأخذه الله من حيث لم يحتسب، ومات بالوباء الذي كان أشد الناس خوفاً منه. وأول بلد شاهدته من البلاد الأندلسية جبل الفتح. فلقيت به خطيبه الفاضل أبا زكريا يحيى بن السراج الرندي، وقاضيه عيسى البربري، وعنده نزلت وتطوفت معه على الجبل، فرأيت عجائب ما بنى به مولانا أبا الحسن رضي الله عنه وأعد فيه من العدد وما زاد على ذلك مولانا أيده الله. ووددت أن لو كنت ممن رابط به إلى نهاية العمر.

قال ابن جزي: جبل الفتح هو معقل الإسلام المعترض شجىً في حلوق عبدة الأصنام، حسنه مولانا أبي الحسن رضي الله عنه المنسوبة إليه وقربته التي قدمها نوراً بين يديه، محل عدد الجهاد، ومقر آساد الأجناد، والثغر الذي افتر عن نصر الإيمان، وأذاق أهل الأندلس بعد مرارة الخوف حلاوة الأمان، ومنه كان مبدأ الفتح الأكبر وبه نزل طارق بن زياد مولى موسى بن نصير عند جوازه فنسب إليه، فيقال له: جبل طارق، وجبل الفتح، لأن مبدأه كان منه. وبقايا السور الذي بناه ومن معه باقية إلى الآن، تسمى بسور العرب. شاهدتها أيام إقامتي به عند حصار الجزيرة أعادها الله، ثم فتحه مولانا أبوالحسن رضوان الله عليه واسترجعه من أيدي الروم بعد تملكهم له عشرين سنة ونيفاً، وبعث إلى حصاره ولده الأمير الجليل أبا مالك، وأيده بالأموال الطائلة والعساكر الجرارة. وكان فتحه بعد حصار ستة أشهر، وذلك في عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، ولم يكن حينئذ على ما هو الآن عليه. فبنى به مولانا أبوالحسن،

<<  <  ج: ص:  >  >>