رحمة الله عليه، المأثرة العظمى بأعلى الحصن، وكانت قبل ذلك برجاً صغيراً، تهدم بأحجار المجانيق، فبناها مكانه، وبنى به دار الصناعة، ولم يكن به دار صنعة وبنى السور الأعظم المحيط بالتربة الحمراء الآخذ من دار الصنعة إلى القرمدة، ثم جدد مولانا أمير المؤمنين أبو عنان أيده الله عهد تحصينه وتحسينه، وزاد بناء السور بطرف الفتح وهو أعظم أسواره غناء وأعمها نفعاً وبعث إليه العدد الوافرة والأقوات والمرافق العامة وعامل الله تعالى فيه بحسن النية وصدق الإخلاص. ولما كان في الأشهر الأخيرة من عام ستة وخمسين وقع بجبل الفتح ما ظهر فيه أثر يقين مولانا أيده الله وثمرة توكله في أموره على الله وبان مصداق ما اطرد له من السعادة الكافية. وذلك أن عامل الجبل الخائن الذي ختم له بالشقاء عيسى بن أبي منديل نزع يده المغلولة عن الطاعة، وفارق عصمة الجماعة وأظهر النفاق وجمح في الغدر والشقاق وتعاطى ما ليس من رجاله وعمى عن مبدأ حاله السيء ومآله، وتوهم الناس أن ذلك مبدأ فتنة تنفق على إطفائها كرائم الأموال، ويستعد لاتقائها بالفرسان والرجال. فحكمت سعادة مولانا أيده الله ببطلان هذا التوهم وقضى صدق يقينه بانخراق العادة في هذه الفتنة فلم تكن إلا أيام يسيرة وراجع أهل الجبل بصائرهم وثاروا على الثائر وخالفوا الشقي المخالف وأقاموا بالواجب من الطاعة وقبضوا عليه وعلى ولده المساعد له في النفاق وأتي بها مصفدين إلى الحضرة العلية، فنفذ فيهما حكم الله في المحاربين وأراح الله من شرهما. ولما خمدت نار الفتنة أظهر مولانا أيده الله من العناية ببلاد الأندلس مالم يكن في حساب أهلها وبعث إلى جبل الفتح ولده الأسعد المبارك الأرشد أبا بكر المدعو من السمات السلطانية بالسعيد أسعده الله تعالى وبعث معه أنجاد الفرسان ووجوه القبائل وكفاة الرجال وأدر عليهم الأرزاق ووسع لهم الأقطاع وحرر بلادهم من الغرائم وبذل لهم جزيل الإحسان. وبلغ من اهتمامه بأمور الجبل أن أمر أيده الله بناء شكل يشبه شكل الجبل المذكور فمثل فيه أشكال أسواره وأبراجه وحصنه وأبوابه ودار صنعته ومساجده ومخازن عُدَده وأهربة زرعه وصورة الجبل وما اتصل به من التربة الحمراء. فصنع ذلك بالمشور السعيد فكان شكلاً عجيباً أتقنه الصناع اتقاناً يعرف قدره من شاهد الجبل وشاهد هذا المثال وما ذلك إلا لتشوقه أيده الله إلى استطلاع أحواله وتهممه بتحصينه وإعداده. والله تعالى يجعل نصر الإسلام بالجزيرة الغربية على