للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يديه، ويحقق ما يؤمله في الفتح بلاد الكفار، وشتّ شمل عباد الصليب. وتذكرت حين هذا التقييد قول الأديب البليغ المفلق أبي عيد الله محمد بن غالب الرصافي البلنسي، رحمه الله، في وصف هذا الجبل المبارك من قصيدته الشهيرة في مدح عبد المؤمن بن علي١ التي أولها:

لو جئت نار الهدى من جانب الطور ... قبست ما شئت من علم ومن نور

وفيها يقول في وصف الجبل وهو من البديع الذي لم يسبق إليه بعد وصفه السفن وجوازها:

حتى رمت جبل الفتحين من٢ جبل

... معظم القدر في الأجيال مذكور٣

من شامخ الأنف في سحنائه طلس٤

... له من الغيم جيب غير مزرور

تمسي النجوم على تكليل مفرقه ... في الجو حائمة مثل الدنانير

فربما مسحته من ذوائبها ... بكل فضل على فوديه مجرور

وادردٍ٥ من ثناياه بما أخذت ... منه معاجم أعواد الدهارير

محنك حلب الأيام أشطرها ... وساقها سَوق حادي العير للعير

مقيد الخطو جوّال الخواطر في ... عجيب أمر به من ماض ومنظور

قد واصل الصمت والإطراق مفتكراً ... بادي السكينة مُغْبَرَّ الأسارير


١ عبد المؤمن بن علي، هو: أمير دولة الموحدين بعد مؤسسها محمد بن تومرت، وقامت هذه الدولة بالمغرب، واستولت على الأندلس، وطردت منه المرابطين، وكان حكمه من سنة ٥٢٥هـ إلى سنة ٥٥٨هـ. "١١٣٠ – ١١٦٣م".
٢ سماه البلنسي: جبل الفتحين، لأنّه أضاف إلى فتح طارق بن زياد للجبل فتح عبد المؤمن بن علي له في ذي القعدة سنة ٥٥٠هـ.
٣ أورد لسان الدين بن الخطيب "ذو الوزارتين" في كتابه: أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، والذي حقّق قسمه الثاني الذي يتعلّق بأخبار الجزيرة الأندلسية، وعلق عليه الأستاذ إ. ليفي بروفنسال أبيات القصيدة هكذا:
حتى رمت جبل الفتحين من كثب ... بساطع من سناه غير مبهور
لله ما جبل الفتحين من جبل ... معظم القدر في الأجيال مذكور.
٤ السحناء: الهيئة واللون، والطَلَس: جمع طلسة، وهي: الغبرة في سواد، والسحابة الرقيقة.
٥ الأدرُدْ، مؤنثة: درداء: من ذهبت أسنانه، وهو ممنوع من الصرف، لأنه وصف على وزن الفعل، وقد صرف هنا لضرورة الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>