للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنه مكمد مما تعبده ... خوف الوعيدين١ من دك وتسيير

أخلق به وجبال الأرض راجفة ... أن يطمئن غدا من كل محذور

ثم استمرّ في قصيدته على مدح عبد المؤمن بن علي.

قال ابن جزي: ولنعد إلى كلام الشيخ أبي عبد الله قال: ثم خرجت من جبل الفتح إلى مدينة رندة، وهي من أمنع معاقل المسلمين وأجملها وضعاً، وكان قائدها إذ ذاك الشيخ أبو الربيع سليمان بن داود العسكري، وقاضيها ابن عمي الفقيه أبو القاسم محمد بن يحيى بن بطوطة. ولقيت بها الفقيه القاضي الأديب أبا الحجاج يوسف بن موسى المنتشاقري، وأضافني بمنزله، ولقيت بها أيضاً خطيبها الصالح الحاج الفاضل أبا إسحاق إبراهيم المعروف بالشندرخ، المتوفى بعد ذلك بمدينة سلا من بلاد المغرب، ولقيت بها جماعة من الصالحين منهم عبد الله الصفّار وسواه. وأقمت بها خمسة أيام.

ثم سافرت منها إلى مدينة مربلة، والطريق فيما بينهما صعب شديد الوعورة، ومربلة حسنة خصبة. ووجدت بها جماعة من الفرسان متوجهين إلى مالقه، فأردت التوجه في صحبتهم. ثم أن الله تعالى عصمني بفضله فتوجهوا قبلي فأسروا في الطريق كما سنذكره. وخرجت في أثرهم، فلما جاورت حوز مربلة ودخلت في حوز سهيل مررت بفرس ميت في بعض الخنادق ثم مررت بقفة حوّات٢ مطروحة بالأرض فرابني ذلك، وكان أمامي برج الناظور. فقلت في نفسي: لو ظهر ها هنا عدوّ لأنذر به صاحب البرج، ثم تقدمت إلى دار هنالك فوجدت عليه فرساً مقتولاً. فبينما أنا هنالك، سمعت الصياح من خلفي وكنت قد تقدمت أصحابي فعدت إليهم فوجدت معهم قائد حصن سهيل فأعلمني أن أربعة أجفان للعدو ظهرت هنالك، ونزل بعض


١ المقصود بالوعيدين: الوعيد بالداك للجبال، وتسييرها، وقد جاء هذا الوعيد في قول الله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} . "الحاقة: ١٤"، وقول الله تعالى: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} . "الطور: ١٠"، وقول الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} . "الكهف: ٤٧" وقول الله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} . "النبأ: ٢٠" وقول الله تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} . "التكوير: ٣".
٢ الحوات: بائع الحيتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>