للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمارتها إلى البر. ولم يكن الناظور بالبرج، فمر بهم الفرسان الخارجون من مربلة وكانوا اثني عشر فقتل النصارى أحدهم وفر واحد وأسر العشرة. وقتل معهم رجل حوّات وهو الذي وجدت قفته مطروحة بالأرض وأشار علي ذلك القائد بالمبيت في موضعه ليوصلني منه إلى مالقه فبت بحصن الرابطة المنسوبة إلى سهيل. والأجفان المذكورة مرساة عليه. وركب معي بالغد فوصلنا إلى مدينة مالقه إحدى قواعد الأندلس، وبلادها الحسان جامعة بين مرافق البر والبحر، كثيرة الخيرات والفواكه. رأيت العنب يباع في أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير. ورمانها المرسي الياقوتي لا نظر له في الدنيا، وأما التين واللوز فيجلبان منها ومن أحوازها إلى بلاد المشرق والمغرب. قال ابن جزي: وإلى ذلك أشار الخطيب أبو محمد بن عبد الوهاب بن علي المالقي في قوله، وهو من مليح التجنيس:

مالقة حييت ياتينها ... فالفلك من أجلك يأتينها

نهى طبيبي عنك في علة ... ما لطبيبي عن حياتي نهى

وذيلها قاضي الجماعة أبو عبد الله بن عبد الملك بقوله في قصد المجانسة:

وحمص لا تنسى لها تينها ... واذكر مع التين زياتينها١

وبمالقة يصنع الفخار المذهب العجيب ويجلب منها إلى أقاصي البلاد. ومسجدها كبير الساحة شهير البركة وصحنه لا نظير له في الحسن فيه أشجار النارنج البعيدة. ولما دخلت مالقة وجدت قاضيها الخطيب الفاضل أبا عبد الله ابن خطيبها الفاضل أبي جعفر بن خطيبها ولي الله تعالى أبي عبد الله الطنجالي قاعداً بالجامع الأعظم، ومعه الفقهاء ووجوه الناس يجمعون مالاً برسم فداء الأساري الذي تقدم ذكرهم، فقلت له: الحمد لله الذي عافاني ولم يجعلني منهم. وأخبرته بما اتفق لي بعدهم، فعجب من ذلك، وبعث إلي


١ مغنى البيتين الأولين: حياك الله يا تين مالقة، فإن السفن تقصد مالقة من كل مكان لأجلك، وقد نهاني الطبيب عن أكلك لمرضي فلماذا نهاني طبيبي عنك وأنت حياتي؟ والجناس فيهما بين: ياتينها، وحياتي نهى، وهو جناس ناقص لاختلاف الكلمات في بعض الحروف، وفي الشكل، ومعنى البيت الأخير الذي ذيّل به البيتان السابقان: لا تنسى تين حمص، واذكر كذلك ما تمتاز به من أنواع الزيتون. وفيه جناس ناقص بين: لها تينها، وزياتينها.

<<  <  ج: ص:  >  >>