للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم قاضي الجماعة نادرة العصر وطرفة الدهر أبو البركات محمد بن محمد بن إبراهيم السلمي البعلبعي. قدم عليها من المرية في تلك الأيام فوقع الاجتماع به في بستان الفقيه أبي القاسم محمد بن الفقيه الكاتب الجليل أبي عبد الله بن عاصم. وأقمنا هنالك يومين وليلة.

قال ابن جزي: كنت معهم في ذلك البستان وأمتعنا الشيخ أبو عبد الله١ بأخبار رحلته وقيدت عنه أسماء الأعلام الذين لقيهم فيها واستفدنا منه الفوائد العجيبة. وكان معنا جملة من وجوه أهل غرناطة منهم الشاعر المجيد الغريب الشأن أبو جعفر أحمد بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي. وهذا الفتى أمره عجيب فإنه نشأ بالبادية ولم يطلب العلم ولا مارس الطلبة ثم إنه نبغ بالشعر الجيد الذي يندر وقوعه من كبار البلغاء وصدور الطلبة مثل قوله:

يا من اختار فؤادي منزلاً ... بابُه العينُ التي تَرْمُقه

فَتحَ البابَ سُهادي بَعدَكم ... فابعثوا طيفَكم يُغْلِقُهُ

ولقيت بغرناطة الشيوخ والمتصوفين منهم: الفقيه أبا علي عمر بن الشيخ الصالح الولي أبي عبد الله محمد بن المحروق، وأقمت أياما بزاويته التي بخارج غرناطة وأكرمني أشد الإكرام.

وتوجهت معه إلى زيارة الزاوية الشهيرة البركة المعروفة برابطة العقاب، والعقاب جبل مطل على خارج غرناطة، وبينهما نحو ثمانية أميال، وهو مجاور لمدينة البيرة الخربة. ولقيت أيضاً ابن أخيه الفقيه أبا الحسن علي بن أحمد بن المحروق بزاويته المنسوبة للجام بأعلى ربض نجد من خارج غرناطة المتصل بجبل السبيكة، وهو شيخ المنتسبين من الفقراء.

وبغرناطة جملة من فقراء العجم، استوطنوها لشبهها ببلادهم منهم الحاج أبو عبد الله السمرقندي والحاج أحمد التبريزي والحاج إبراهيم القونوي والحاج حسين الخراساني والحاجان علي ورشيد الهنديان وسواهم.

ثم رحلت من غرناطة إلى الحمة ثم إلى بلش ثم إلى مالقة ثم إلى حصن ذكوان، وهو حصن حسن كثير المياه والأشجار والفواكه، ثم سافرت منه


١ أي: ابن بطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>