للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى رندة، ثم إلى قرية بني رياح. فانزلني شيخها أبو الحسن علي سليمان الرياحي، وهو أحد كرماء الرجال وفضلاء الأعيان يطعم الصادر والوارد وأضافني ضيافة حسنة. ثم سافرت إلى جبل الفتح وركبت البحر في الجفن الذي جزت فيه أولاً وهو لأهل أصيلاً، فوصلت إلى سبتة. وكان قائدها إذ ذاك الشيخ أبو المهدي عيسى بن سليمان ابن منصور، وقاضيها الفقيه أبو محمد الزجندري. ثم سافرت منها إلى أصيلاَ وأقمت بها شهوراً. ثم سافرت منها إلى مدينة سلا، ثم سافرت من سلا فوصلت إلى مدينة مراكش. وهي من أجمل المدن فسيحة الأرجاء متسعة الأقطار كثيرة الخيرات، بها المساجد الضخمة كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين، وبها الصومعة الهائلة العجيبة صعدتها وظهر لي جميع البلد منها. وقد استولى عليه الخراب. فما شبهته إلا ببغداد، إلا أن أسواق بغداد أحسن.

وبمراكش المدرسة العجيبة التي تميزت بحسن الوضع وإتقان الصنعة وهي من بناء الإمام مولانا أمير المسلمين أبي الحسن رضوان الله عليه. قال ابن جزي: في مراكش يقول قاضيها الإمام التاريخي أبو عبد الله محمد بن عبد الملك الأوسي:

لله مراكش الغراء من بلد ... وحبذا أهلها السادات من سكن

إن حلها نازح الأوطان مغترب ... أسلوه بالأنس عن أهل وعن وطن

بين الحديث بها أو العيان لها ... ينشأ التحاسد بين العين والأذن.

ثم سافرت من مراكش صحبة الركاب العلي، ركاب مولانا أيده الله فوصلنا إلى مدينة سلا، ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النضرة ذات البساتين والجنات المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها. ثم وصلنا إلى حضرة فاس حرسها الله تعالى فوادعت بها مولانا أيده الله وتوجهت برسم السفر إلى بلاد السودان، فوصلت إلى مدينة سجلماسة. وهي من أحسن المدن، وبها التمر الكثير الطيب وتشبهها مدينة البصرة في كثرة التمر. لكن تمر سجلماسة أطيب، وصنف أيران منه لا نظير له في البلاد. ونزلت منها عند الفقيه أبي محمد البشري وهو الذي لقيت أخاه بمدينة قنجنفو من بلاد الصين. فيا شدّ ما تباعدا، فأكرمني غاية الإكرام واشتريت بها الجمال وعلفتها أربعة أشهر.

ثم سافرت في غرة شهر الله المحرم سنة ثلاث وخمسين في رفقة مقدمها

<<  <  ج: ص:  >  >>