للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو محمد يندكان المسوفي رحمه الله تعالى وفيها من تجار سجلماسة وغيرهم. فوصلنا بعد خمسة وعشرين يوماً إلى تَغَازَى، وضبط اسمها "بفتح التاء المثناة والغين المعجم وألف وزاي مفتوح أيضاً"، وهي قرية لا خير فيها. ومن عجائبها أن بناء بيوتها ومسجدها من حجارة الملح وسقفها من جلود الجمال. ولا شجر بها إنما هي رمل فيه معدن الملح يحفر عليه في الأرض فيوجد منه ألواح ضخام متراكبة كأنها قد نحتت ووضعت تحت الأرض يحمل الجمل منها لوحين. ولا يسكنها إلا عبيد مسوفة الذين يحفرون على الملح ويتعيشون بما يجلب إليهم من تمر درعة وسجلماسة ومن لحوم الجمال ومن أنلي المجلوب من السودان، ويصل السودان من بلادهم فيحملون منها الملح. ويباع الحمل منه بأيوالاتن بعشرة مثاقيل إلى ثمانية، وبمدينة مالي بثلاثين مثقالاً إلى عشرين، وربما انتهى إلى أربعين مثقالاً.

وبالملح يتصارف السودان، كما يتصارف بالذهب والفضة. يقطعونه قطعاً ويتبايعون به. وقرية تغازي على حقارتها يتعامل فيها بالقناطير المقنطرة من التبر. وأقمنا بها عشرة أيام في جهد لأن ماءها زعاق وهي أكثر المواضع ذباباً، ومنها يرفع الماء لدخول الصحراء التي بعدها. وهي مسيرة عشرة لا ماء فيها إلا في النادر. ووجدنا نحن بها ماء كثيراً في غدران أبقاها المطر ولقد وجدنا في بعض الأيام غديراً بين تلين من حجارة ماؤه عذب فتروينا منه وغسلنا ثيابنا. والكمأة بتلك الصحراء كثير ويكثر القمل بها حتى يجعل الناس في أعناقهم خيوطا فيها الزئبق فيقتلها.

وكنا في تلك الأيام نتقدم أمام القافلة فإذا وجدنا مكانا يصلح للرعي رعينا الدواب به. ولم نزل كذلك حتى ضاع في الصحراء رجل يعرف بابن زيري فلم أتقدم بعد ذلك ولا تأخرت. وكان ابن زيري وقعت بينه وبين ابن خاله ويعرف بابن عدي منازعة ومشاتمة فتأخر عن الرفقة فضل. فلما نزل الناس لم يظهر له خبر فأشرت على ابن خاله بأن يكتري من مسوفة من يقص أثره لعله يجده فأبى، وانتدب في اليوم الثاني رجل من مسوفة دون أجرة لطلبه فوجد أثره وهو يسلك الجادة طوراً ويخرج عنها تارة ولم يقع له على خبر. ولقد لقينا قافلة في طريقنا فأخبرونا أن بعض رجال انقطعوا عنهم فوجدنا أحدهم ميتا تحت شجيرة من أشجار الرمل، وعليه ثيابه، وفي يده

<<  <  ج: ص:  >  >>