للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوط. وكان الماء على نحو ميل منه. ثم وصلنا إلى تاسرهلا "بفتح التاء المثناة والسين المهمل والراء وسكون الهاء"، وهي أحساء ماء تنزل القوافل عليها، ويقيمون ثلاثة أيام. فيستريحون ويصلحون أسقيتهم ويملؤونها بالماء ويخيطون عليها التلاليس خوف الريح، ومن هنالك يبعث التكشيف.

والتكشيف اسم لكل رجل من مسوفة يكتريه أهل القافلة فيتقدم إلى أيوالاتن يكتب الناس إلى أصحابهم بها ليكتروا لهم الدور ويخرجون للقائهم بالماء مسيرة أربع. ومن لم يكن له صاحب بأيوالاتن كتب إلى من شهر بالفضل من التجار بها فيشاركه في ذلك. وربما هلك التكشيف في هذه الصحراء فلا يعلم أهل أيوالاتن بالقافلة فيهلك أهلها أو الكثير منهم. وتلك الصحراء كثيرة الشياطين فإن كان التكشيف منفرداً لعبت به واستهوته حتى يضل عن قصده فيهلك إذ لا طريق يظهر بها ولا أثر إنما هي رمال تسفيها الريح فترى جبالاً من الرمل في مكان ثم تراها قد انتقلت إلى سواه والدليل هنالك من كثر تردده وكان له قلب ذكي. ورأيت من العجائب أن الدليل الذي كان لنا هو أعور العين الواحدة مريض الثانية وهو أعرف الناس بالطريق. واكترينا التكشيف في هذه السفرة بمائة مثقال من الذهب وهو من مسوفة. وفي ليلة اليوم السابع رأينا نيران الذين خرجوا للقائنا فاستبشرنا بذلك. وهذه الصحراء منيرة مشرقة ينشرح الصدر فيها وتطيب النفس وهي آمنة من السراق والبقر الوحشية بها كثير يأتي القطيع منها حتى يقرب من الناس فيصطادونه بالكلاب والنشاب لكن لحمها يولد أكله العطش فيتحاماه كثير من الناس لذلك. ومن العجائب أن هذه البقر إذا قتلت وجد في كروشها الماء. ولقد رأيت أهل مسوفة يعصرون الكرش منها ويشربون الماء الذي فيه. والحيات أيضاً بهذه الصحراء كثير.

وكان في القافلة تاجر تلمساني يعرف بالحاج زيان. ومن عادته أن يقبض على الحيات ويعبث بها وكنت أنهاه عن ذلك فلا ينتهي. فلما كان ذات يوم أدخل يده في جحر ضب ليخرجه فوجد مكانه حية فأخذها بيده. وأراد الركوب فلسعته في سبابته اليمنى وأصابه وجع شديد فكويت يده وزاد ألمه عشي النهار فنحر جملاً وأدخل يده في كرشه وتركها كذلك ليلة ثم تناثر لحم أصبعه فقطعها من الأصل. وأخبرنا أهل مسوفة أن تلك الحية كانت قد شربت

<<  <  ج: ص:  >  >>