للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كلم أحدهم السلطان فرد عليه جوابه كشف ثيابه عن ظهره ورمى بالتراب على رأسه وظهره كما يفعل المغتسل بالماء، وكنت أعجب منهم كيف لا تعمى أعينهم. وإذا تكلم السلطان في مجلسه بكلام وضع الحاضرون عمائهم عن رؤوسهم، وأنصتوا للكلام وربما قام أحدهم بين يديه فيذكر أفعاله في خدمته، ويقول: فعلت كذا يوم كذا، وقتلت كذا يوم كذا فيصدقه من علم ذلك وتصديقهم أن ينزع أحدهم وتر قوسه ثم يرسلها كما يفعل إذا رمى، فإذا قال له السلطان: صدقت أو شكره نزع ثيابه وترب وذلك عندهم من الأدب. قال ابن جزي: وأخبرني الصاحب العلامة الفقيه أبو القاسم بن رضوان أعزه الله أنه لما قدم الحاج موسى الونجراتي رسولاً عن منسى سليمان إلى مولانا أبي الحسن رضي الله عنه، كان إذا دخل المجلس الكريم، حمل بعض ناسه معه قفة تراب فيترب لهما قال له مولانا كلاماً حسناً، كما يفعل ببلاده.

وحضرت بمالي عيدي الأضحى والفطر فخرج الناس إلى المصلى وهو بمقربة من قصر السلطان وعليهم الثياب الحسان وركب السلطان وعلى رأسه الطيلسان والسودان لا يلبسون الطيلسان إلا في العيد ما عدا القاضي والخطيب والفقهاء فإنهم يلبسونه في سائر الأيام وكانوا يوم العيد بين يدي السلطان وهم يهللون ويكبرون وبين يديه العلامات الحمر من الحرير ونصب عند المصلى خباء فدخل السلطان إليها وأصلح من شأنه ثم خرج إلى المصلى فقضيت الصلاة والخطبة ثم نزل الخطيب وقعد بين يدي السلطان وتكلم بكلام كثير وهنالك رجل بيده رمح يبين للناس بلسانهم كلام الخطيب وذلك وعظ وتذكير وثناء على السلطان وتحريض على لزوم طاعته وأداء حقه. ويجلس السلطان في أيام العيدين بعد العصر على البنبي ويأتي السلحدارية بالسلاح العجيب من تراكش الذهب والفضة والسيوف المحلاة بالذهب وأغمادها منه ورماح الذهب والفضة ودبابيس البلور ويقف على رأسه أربعة من الأمراء يشردون الذباب وفي أيديهم حلية من الفضة تشبه ركاب السرج ويجلس الفرارية والقاضي والخطيب على العادة ويأتي دوغا الترجمان بنسائه الأربع وجواريه وهن نحو مائة عليهن الملابس الحسان وعلى رؤوسهن عصائب الذهب والفضة فيها مفاتيح ذهب وفضة وينصب لدوغا كرسي يجلس عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>