ويضرب الآلة التي هي من قصب وتحتها قريعات ويغني بشعر بمدح السلطان فيه ويذكر غزواته وأفعاله ويغني النساء والجواري معه ويلعبن بالقسي ويكون معهن نحو ثلاثين من غلمانه عليهم جباب الملف والحمر وفي رؤسهم الشواشي البيض وكل واحد منهم متقلد طبله يضربه ثم يأتي أصحابه من الصبيان ويلعبون في الهواء كما يفعل السندي ولهم في ذلك رشاقة وخفة بديعة ويلعبون بالسيوف أجمل لعب ويلعب دوغا بالسيف لعباً بديعاً وعند ذلك يأمر السلطان له بالإحسان فيوتى بصرة فيها مائتا مثقال من التبر وينثر ما فيها على رؤوس الناس وتقوم الفرارية فينزعون في قسيهم شكرا للسلطان وبالغد يعطى كل واحد منهم لدوغا عطاء على قدره وفي كل يوم جمعة بعد العصر يفعل دوغا مثل هذا الترتيب الذي ذكرناه.
وإذا كان يوم عيد وأتم دوغا لعبه جاء الشعراء ويسمون الجُلا "بضم الجيم"، وأحدهم جالي، وقد دخل كل واحد منهم في جوف صورة مصنوعة من الريش تشبه الشقشاق، وجعل لها رأس من الخشب له منقار أحمر كأنه رأس الشقشاق ويقفون بين يدي السلطان بتلك الهيئة المضحكة فينشدون أشعارهم. وذكر لي أن شعرهم نوع من الوعظ يقولون فيه للسطان أن هذا البنبي الذي عليه جلس فوقه من الملوك فلان وكان من أحسن أفعاله كذا وفلان وكان من أفعاله كذا فافعل أنت من الخير ما يذكر بعدك ثم يصعد كبير الشعراء على درج البنبي ويضع رأسه في حجر السلطان ثم يصعد إلى أعلى البنبي فيضع رأسه على كتف السلطان الأيمن ثم على كتفه الأيسر وهو يتكلم بلسانهم، ثم ينزل. وأخبرت أن هذا الفعل لم يزل قديماً عندهم قبل الإسلام فاستمروا عليه.
وحضرت مجلس السلطان في بعض الأيام فأتى أحد فقهائهم وكان قدم من بلاد بعيدة وقام بين يدي السلطان وتكلم كلاماً كثيراً فقام القاضي فصدقه ثم صدقهما السلطان فوضع كل واحد منهما عمامته عن رأسه وترب بين يديه وكان إلى جانبي رجل من البيضان فقال: أتعرف ما قالوه؟ فقلت: لا أعرف. فقال: إن الفقيه أخبر أن الجراد وقع ببلادهم فخرج أحد صلحائهم إلى موضع الجراد فهاله أمرها فقال هذا جراد كثير. فأجابته جرادة منها وقالت: إن البلاد التي يكثر فيها الظلم يبعثنا الله لفساد زرعها. فصدقه القاضي والسلطان. وقال عند ذلك للأمراء إني بريء من الظلم ومن ظلم منكم عاقبته ومن علم بظالم