للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأس الطائفين وهو باق بقيد الحياة إلى هذا العهد.

ومن المجاورين بالمدينة المنورة الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس أحمد بن محمد مرزوق كثير العبادة والصوم والصلاة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما صابرا محتسبا وكان ربما جاور بمكة المعظمة رأيته بها في سنة ثمان وعشرين وهو أكثر الناس طوافا وكنت أعجب من ملازمته الطواف مع شدة الحر بالمطاف والمطاف مفروش الحجارة السود وتصير بحر الشمس كأنها الصفائح المحماة ولقد رأيت السقائين يصبون الماء عليها فما يجاوز الموضع الذي يصب فيه إلا ويلتهب الموضع من حينه أكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب وكان أبو العباس بن مرزوق يطوف حافي القدمين ورأيته يوما يطوف فأحببت أن أطوف معه فوصلت المطاف وأردت استلام الحجر الأسود فلحقني لهب تلك الحجارة وأردت الرجوع بعد تقبيل الحجر فما وصلته إلا بعد جهد عظيم ورجعت فلم أطف ورجعت أجعل بجادي على الأرض وأمشي عليه حتى بلغت الرواق وكان في ذلك العهد بمكة وزير غرناطة وكبيرها أبو القاسم محمد بن محمد بن الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك الأزدي وكان يطوف كل أسبوع سبعين طوافاً ولم يكن يطوف في وقت القائلة لشدة الحر وكان ابن مرزوق يطوف في شدة القائلة زيادة عليه. ومن المجاورين بالمدينة كرمها الله الشيخ الصالح العابد سعيد المراكشي الكفيف. ومنهم أبو مهدي بمكة عيسى بن حزرون المكناسي.

وجاور الشيخ أبو مهدي بمكة سنة ثمان وعشرين وخرج إلى جبل حراء مع جماعة من المجاورين فلما صعدوا الجبل ووصلوا لمتعبد النبي صلى الله عليه وسلم تسليما ونزلوا عنه تأخر أبو مهدي عن الجماعة ورأى طريقا في الجبل فظنه قاصراً فسلك عليه ووصل أصحابه إلى أسفل الجبل فانتظروه فلم يأت فتطلعوا فيما حولهم فلم يروا له أثرا فظنوا أنه سبقهم فمضوا إلى مكة شرفها الله تعالى ومر عيسى على طريقه فأفضى به إلى جبل آخر وتاه عن الطريق وأخذه العطش والحر وتمزقت نعله فكان يقطع من ثيابه ويلف رجليه إلى أن ضعف عن المشي استظل بشجرة أم غيلان١ فبعث الله أعرابياً


١ أم غيلان: شجرة السمر، من القاموس المحيط.

<<  <  ج: ص:  >  >>