هذا الأمر فقالوا: نرى أن لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة كما أمر ربنا في كتابه العزيز ونرجع إلى الأمير ابي عبيدة رضي الله عنه والله لا يضيع أجرنا قال فلما سمع عبد الله قولهم قال: أما أنا فأخاف أن فعلت ذلك أن يكتبني الله من الفارين وما ارجع او أبدى عذرا عند الله تعالى فمن ساعدني فقد وقع اجره على الله ومن رجع فلاعتب عليه فلما سمعوا ذلك من عبد الله بن جعفر اميرهم وبذل مهجته استحيوا منه وأجابوه بأجمعهم وقالوا: افعل ما تريد فما ينفع حذر من قدر ففرح باجابتهم ثم عمد إلى درعه فأفرغه عليه ووضع على رأسه بيضة وشد وسطه بمنطقة وتقلد بسيف أبيه واستوى على متن جواده وأخذ الراية بيده وامر الناس بأخذ الأهبة فلبسوا دروعهم واشتملوا بسلاحهم وركبوا خيولهم وقالوا: للدليل سر بنا نحو القوم فستعاين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا قال وائلة بن الاسقع رأيت الدليل قد اصفر وجهه وتغير لونه وقالوا: سيروا انتم برأيكم وما علي من امركم وخرج قال أبو ذر الغفاري فرأيت عبد الله بن جعفر يتلطف به حتى سار بين يديه يدله على القوم ساعة ثم وقف وقال أمسكوا عليكم فانكم قد قربتم من القوم فكونوا في مواضعكم كامنين إلى وقت السحر ثم أغيروا على القوم قال وائلة بن الاسقع فبتنا ليلتنا حيث امرنا ونحن نطلب النصر من الله تعالى على الأعداء فلما أصبح النهار صلي بهم عبد الله بن جعفر صلاة الصبح فلما فرغوا من صلاتهم قال: ما ترون في الغارة.
فقال عامر بن عميرة بن ربيعة أدلكم على أمر تصنعونه قالوا: قل: قال اتركوا القوم في بيعهم وشرائهم واظهار امتعتهم ثم اكبسوا عليهم على حين غفلة وغرة من امرهم فصوب الناس رأيه وصبروا إلى وقت قيام السوق ثم اظهروا السيوف من أغمادها وأوتروا القسى وشرعوا لاماتهم وعبد الله بن جعفر امامهم الراية بيده فلما طلعت الشمس عمد عبد الله إلى المسلمين فجعلهم خمسة كراديس كل كردوس مائة فارس وجعل على كل مائة نقيبا وقال تاخذ كل مائة منكم قطرا من أقطار سوقهم ولا تشتغلوا بنهب ولا غارة ولكن ضعوا السيوف في المفارق والعواتق وتقدم عبد الله بن جعفر بالراية وطلع على القوم فنظر إلى الروم متفرقين في الأرض كالنمل لكثرتهم وقد أحدق منهم بدير الراهب خلق كثير والراهب قد اخرج رأسه من الدير وهو يعظ الناس ويوصيهم ويعلمهم معالم ملتهم وهم إليه شخوص بابصارهم وابنة البطريق عنده في الدير والبطارقة وابناؤهم عليهم الديباج المثقل بالذهب ومن فوقهم دروع وجواشن تلمع وبيض وهم ينظرون صيحة بين ايديهم او طارقا يطرقهم من خلفهم ونظر عبد الله إلى الدير والى ما أحدق به والى الراهب وما حول صومعته فهاله ذلك من امرهم وصاح فيهم قبل الحملة وقال: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم احملوا بارك الله فيكم فإن كانت غنيمة وسرور فالفتح والسلامة ويكون الاجتماع تحت صومعة الراهب وأن كان غير ذلك.