قصده فأحبوا أن يأخذوا الأمان من أبي عبيدة رضي الله عنه واجمعوا رايهم على ذلك وأن ينفذوا رسولا من غير علم بطريقهم.
قال الواقدي: وكان على قنسرين والعواصم بطريق من بطارقة الملك من أهل الشدة والبأس وكان أهل قنسرين يخافون منه وكان اسمه لوقا وصاحب حلب عسكره مثل عسكره وسطوته مثل سطوته وكان الملك هرقل قد دعا بهما إليه فقالا له أيها الملك ما كنا نترك ملكنا من غير أن نقاتل قتالا شديدا فشكرهما الملك هرقل على ذلك ووعدهما أن يبعث إليهما جيشا عرمرميا وكانا منتظرين ذلك من وعد الملك لهما وكان مع كل واحد منهما عشرة آلاف فارس إلا انهما لا يجتمعان في موضع واحد قال فلما سمع صاحب قنسرين ما قد عزم عليه أهل قنسرين من الصلح مع ابي عبيدة غضب غضبا شديدا وعزم أن يمكر بهم فجمع أهل قنسرين إليه وقال لهم: يا بني الأصفر ما تريدون أن اصنع مع هؤلاء العرب وكأنكم بهم وقد اقبلوا إلينا يفتحون بلادنا كما فتحو أكثر بلاد الشام فقالوا: أيها السيد قد بلغنا إنهم أصحاب وفاء وذمة وقد فتحوا أكثر البلاد بالصلح والعدل ومن قاتلهم قاتلوه واستعبدوا اهله واولاده ومن دخل تحت طاعتهم اقروه في بلده وكان آمنا من سطوتهم والرأي عندنا أن نصالح القوم ونكون آمنين على أنفسهم وأموالنا فقال لهم البطريق: لقد اشرتم بالصواب والأمر الذي لا يعاب لأن هؤلاء العرب قوم منصورون على من قاتلهم وها أنا اعقد لكم الصلح معهم سنة كاملة إلى أن توافينا جيوش الملك هرقل ونعطف عليهم وهم آمنون فنبيدهم عن آخرهم فقالوا: افعلوا ما فيه الصلاح.
قال الواقدي: واتفق أهل قنسرين والبطريق على صلح المسلمين وفي قلوبهم الغدر قال وأن لوقا البطريق دعا برجل من أصحابه اسمه اصطخر وكان قسيسا عالما بدين النصرانية فصيح اللسان قوي الجنان يعرف العربية والرومية وقد عرف الدينين إليهودية والنصرانية فقال لوقا يا ابانا سر إلى العرب وقل لهم يصالحونا سنة كاملة حتى نبعد القوم بالحيلة والخداع ثم كتب الكتاب إلى الأمير ابي عبيدة رضي الله عنه فقال بعد كلمة كفره اما بعد يا معاشر العرب أن بلدنا منيع كثير العدد والرجال فما تأتونا من قبله ولو اقمتم علينا مائة سنة ما قدرتم علينا وأن الملك هرقل قد استنجد عليكم من حد الخليج إلى رومية الكبرى ونحن قد بعثنا إليكم نصالحكم سنة كاملة حتى نرى لمن تكون البلاد ونحن نريد منكم أن تجعلوا بيننا وبينكم علامة من حد أرض قنسرين والعواصم حتى إذا همت العرب بالغارة بدت العلامة تريكم حد ارضنا ونحن نصالحكم خفية من الملك هرقل لئلا يعلم فيقتلنا والسلام ثم خلع على اصطخر خلعة سنية واعطاه بغلة من مراكبه وعشرة غلمان وسار حتى وصل إلى حمص فرأى الأمير أبا عبيدة رضي.