للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عنه يصلي بالمسلمين صلاة العصر فوقف اصطخر ينظر ما يفعلون ويعجب من ذلك فلما فرغوا من صلاتهم ونظروا إلى القسيس وثبوا إليه وقالوا له: من أنت ومن اين اقبلت فقال أنا رسول ومعي كتاب فمثلوه بين يدي ابي عبيدة فهم القسيس بالسجود له فمنعه أبو عبيدة رضي الله عنه من ذلك وقال له: نحن عبيد الله عز وجل فمنا شقي ومنا سعيد: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ*خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: ١٠٦, ١٠٧] فلما سمع اصطخر ذلك بهت وبقي لا يرد جوابا وهو متعجب مما تكلم به الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه فناداه خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال له: ما شأنك أيها الرجل ورسول من أنت فقال اصطخر اانت أمير القوم فقال خالد: لا بل هذا اميرنا واشار إلى ابي عبيدة رضي الله عنه فقال اصطخر أنا رسول صاحب قنسرين والعواصم ثم اخرج الكتاب ودفعه إلى ابي عبيدة رضي الله عنه فأخذه وقرأه على المسلمين فلما سمع خالد بن الوليد رضي الله عنه ما في الكتاب من صفة مدينتهم وكثرة عددهم ورجالهم وتهديدهم بجيوش الملك هرقل حرك رأسه وقال لأبي عبيدة: وحق من ايدنا بالنصر وجعلنا من امة محمد صلى الله عليه وسلم الطاهر أن هذا الكتاب من عند رجل لا يريد الصلح بل يريد حربنا ثم قال لاصطخر: تريدون أن تخدعونا حتى إذا جاءت جنود صاحبكم ورأيتم القوم وقد جاءتكم نقضتم صلحنا وكنتم أول من يقاتلنا وأن رأيتم الغلبة لنا هربتم إلى طاغيتكم هرقل فإن أردتم ذلك فنواعدكم الحرب مواعدة من غير أن يكون صلحا سنة كاملة فإن لحق بكم جيش هذه السنة من الملك هرقل فلا بد من قتاله فمن اقام في المدينة ولم يقاتل مع الجيش فهو على صلحنا لا نتعرض له قال اصطخر قد اجبناكم إلى ذلك فاكتبوا لنا كتابا بذلك فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أيها الأمير اكتب لهم كتابا بمواعدة الحرب سنة كاملة اولها مستهل شهر ذي القعدة سنة أربع عشرة من الهجرة النبوية قال فكتب له أبو عبيدة رضي الله عنه بذلك فلما فرغ من الكتاب قال له: اصطخر أيها الأمير حد بلادنا معروف وبازائنا صاحب حلب وبلاده بحد بلادنا ونريد أن تجعل لنا علامة فيما بيننا وبينكم حتى إذا طلب أصحابكم الغارة لا يتجاوزون ذلك.

قال الواقدي: فرضني أبو عبيدة رضي الله عنه بذلك وقال أنا ابعث من يحدد لكم ذلك قال اصطخر أيها الأمير ما نريد معنا أحدا من أصحابك نحن نصنع عمودا وننصحه ويكون عليه صورة الملك هرقل فإذا رآه أصحابك لا يجاوزنه فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه افعل ذلك ثم دفع إليه الكتاب ونادى في عساكر المسلمين وأصحاب الغارات من نظر إلى عمود فلا يتعداه ولا يتجاوزه بل يشن الغارة على ارض حلب وحدها ولا يتجاوز العمود فليبلغ الشاهد الغائب.

<<  <  ج: ص:  >  >>