قال الواقدي: ورجع اصطخر إلى بطريق قنسرين واعلمه بما جرى له مع خالد بن الوليد رضي الله عنه ودفع له الكتاب ففرح بذلك وقصد إلى عمود عظيم وصنع عليه صورة الملك هرقل كأنه جالس على كرسي مملكته.
قال الواقدي: وكانت خيل المسلمين تضرب غارتها إلى اقصى بلاد حلب والعمق وانطاكية ويحيدون عن حد قنسرين والعواصم إلا يقربون العمود قال عمر بن عبد الله الغبري عن سالم بن قيس عن ابيه سعد بن عبادة رضي الله عنه قال كان صلح المسلمين لاهل قنسرين والعواصم على أربعة آلاف دينار ملكية ومائة اوقية من الفضة والف ثوب من متاع حلب والف وسق من طعام.
قال الواقدي: حدثنا عامر قال كنا في بعض الغارات إذ نظرنا إلى العمود وعليه صورة الملك هرقل فجئنا عنده وجعلنا نجول حوله بخيولنا ونعلمها الكر والفر وكان بيد أبي جندلة قناة تامة فقرب به الجواد من الصورة وهو غير متعمد ذلك ففقأ عين الصورة وكان عندها قوم من الروم وهم غلمان صاحب قنسرين يحفظون العمود فرجعوا إلى البطريق وأعلموه بذلك فغضب غضبا شديدا ودفع صليبا من الذهب إلى بعض أصحابه وضم إليه ألف فارس من أعلاج الروم وعليهم الديباج الرومي وعليهم المناطق المجوفة وأمر اصطخر أن يسير معهم وقال له: ارجع إلى أمير العرب وقل له غدرتم بنا ولم توفوا بذمامكم ومن غدر جندل فأخذ اصطخر الصليب وسار مع ألف فارس من الروم حتى اشرف على ابي عبيدة رضي الله عنه فلما نظر المسلمون إلى الصليب وهو مرفوع اسرعوا إليه ونكسوه فاستقبل أبو عبيدة القوم وقال من انتم قال اصطخر أنا رسول صاحب قنسرين إليك وهو يقول: لك غدرتم ونقضتم العهد الذي بيننا وبينكم فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت بذلك وسوف اسأل عنه ثم نادى يا معاشر الناس من فقأ عين التمثال فليخبرنا بذلك فقالوا: أيها الأمير أبو جندلة وسهل بن عمرو صنعا ذلك من غير أن يتعمداه فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه لاصطخر أن صاحبنا فعل ذلك من غير أن يتعمد فما الذي يرضيك منا فقالت الأعلاج: لا نرضى حتى تفقأ عين ملككم يريدون بذلك أن يتطرقوا إلى رقاب المسلمين فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه ها أنا فاصنعوا بي مثل ما صنع بصورتكم قالوا: لا نرضى بذلك إلا بعين ملككم الأكبر الذي يلي أمر العرب كلها فقال أن عين ملكنا تمنع من ذلك.
قال الواقدي: وغضب المسلمين حين ذكر الأعلاج عين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهموا بقتل الأعلاج فنهاهم أبو عبيدة رضي الله عنه عن ذلك فقال المسلمون أيها الأمير نحن دون امامنا فنفديه بأنفسنا ونفقأ عيوننا دون عينه فقال اصطخر عندما نظر.